أينما حل فهو الأستاذ، كان النجم الأول فى السينما والمسرح والإذاعة والتليفزيون، حتى عندما مر الزمن ولم يعد اسمه فى السينما يتصدّر الأفيش إلا أنه ظل دائمًا هو الأستاذ.
أول من أمس كان عيد ميلاده التسعين، أشهر صناع البهجة فى حياتنا فؤاد المهندس!!
هل يتذكَّر أحدكم هذه الأغنية «يلّا حالًا بالًا بالًا حيّوا أبو الفصاد.. ح يكون عيد ميلاده الليلة أجمل الأعياد ما تحيّوا أبو الفصاد».. إنه صوت فؤاد المهندس، والأغنية ربما عمرها أكثر من 65 عامًا، ومن المؤكَّد أنها تثير بداخلنا البسمة التى تنساب بين نبرات صوته.
وتعدَّدت نجاحات، بل قل قفزات فؤاد المهندس طوال تلك الرحلة حتى ولو شهدت السنوات الأخيرة من حياته غيابًا عن خشبة المسرح وشاشة السينما، إلا أنه عن الناس أبدًا لم يغب.. قبل نحو ستة عشر عامًا شاهدت كيف أن الحب بين فؤاد المهندس وجمهوره لا يعرف حدودًا.. كان حسين فهمى قد أصبح رئيسًا لمهرجان القاهرة الدولى السينمائى وقرر تكريم كل نجوم الكوميديا فى مصر والعالم أجمع.. ووضع ترتيب فؤاد المهندس فى نهاية القائمة بعد كل النجوم حتى يُصبح ختامها مسكًا، وصعد فؤاد المهندس إلى خشبة مسرح دار الأوبرا وعلى مدى تجاوَز 7 دقائق لم ينقطع تصفيق الجمهور ولم نكتفِ جميعًا بصوت الأكف الذى كان إيقاعه يعلو مع مرور الثوانى والدقائق، ولكننا دون اتفاق وقفنا فى لحظة واحدة تحية لتاريخ فنان قدَّم إبداعه أكثر من نصف قرن تواءم خلالها مع إيقاع الزمن وقوانينه الصارمة التى تجعل المرونة هى عربون الاستمرار.. شاهدت الدموع فى عيون الأستاذ الذى يبدو كأنه لم يتوقَّع كل هذه الحفاوة المفعمة بحب ووحشة وشاهدت أيضًا دموع الجمهور.. كانت لحظة لا تنسى فى تاريخ هذا الفنان أحسبها ذروة أخرى قدمها لنا ناسك الكوميديا الأول فى تاريخنا الفنى!! الفنان يظل فى علاقة دائمة مع الزمن ومفرداته وإيقاعه ولزماته، لكل حقبة نعيشها شفرة كامنة هى التى تحدّد إمكانية التواصل ودرجته.. وفنان الكوميديا فى العالم يواجه عدوًّا شرسًا اسمه الزمن، كل حقبة من السنوات تخلق جيلًا من الشباب لا يضحك إلا من خلال تفاصيل خاصة جدًّا بالكلمة وأدائها ومدلولاتها، وفى العادة يتجاوب أكثر مع نجومه من الشباب!! وهكذا نرى مثلًا كيف توهَّج إسماعيل يس ووصل إلى الذروة فى منتصف الخمسينيات ثم بدأ الانحدار فى مطلع الستينيات، وهى بالتحديد المرحلة التى شهدت بزوغ مسرح التليفزيون والذى أنشأه السيد بدير، وكان من رواده وقوته الضاربة فؤاد المهندس ومحمد عوض وأمين الهنيدى وأبو بكر عزت وشويكار ومحمد رضا، وخلفهم يقف «الكوتش» عبد المنعم مدبولى.. حدثت تغييرات اقتصادية واجتماعية ونفسية بعد قوانين يوليو الاشتراكية خلفت بالضرورة نوعًا آخر من الإبداع!!
كان تلميذًا لنجيب الريحانى، لكنه ليس صورة منه.. الإيقاع فى الكلمة والحركة هو عنوان فؤاد المهندس.. ولو توقّفت أمام جمل الحوار التى كتبها بهجت قمر أو مدبولى أو يوسف عوف سوف تجد دائمًا أن روح فؤاد تطغى على الحوار بالأداء الصوتى والحركى، وهذه الكلمات لو أنك تخيّلتها على لسان فنان آخر فإن آخر ما يمكن أن تحققه هو إثارة الضحك، فؤاد أستاذ الأداء الإيقاعى ولهذا كان هو أكثر نجوم الكوميديا قدرة على الغناء وليس غريبًا أن يلحن له كبار الموسيقيين «محمد عبد الوهاب وكمال الطويل ومحمد الموجى وبليغ حمدى وحلمى بكر»، وجميعهم أشادوا بقدرته على التلوين والانتقال بسلاسة من مقام موسيقى إلى آخر، كأنه أحد عتاولة الغناء!! ظل قادرًا على أن يرسل الضحكات رغم حزنه الشخصى، بسبب سجن ابنه، كنت أشاهده فى السنوات الأخيرة من خلال البرامج التليفزيونية ضيفًا ولم يفقد أبدًا خفّة ظله ولا تواصله مع الجمهور، كان لديه إعجاب خاص بنانسى عجرم، فكثيرًا ما أرسل إليها عبارات غزل على الهواء، وفى عيد ميلاده التسعين لا يزال يرن فى أذنى صوته الضاحك «يلّا حالًا بالًا بالًا حيّوا أبو الفصاد ح يكون عيد ميلاده الليلة أسعد الأعياد»!!
<iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"></iframe>