كُتب علينا أن نودِّع أحبابنا وأصدقاءنا..
.. فها نحن نودِّع المناضل والمعارض الشريف أبو العز الحريرى، الذى صارع وناضل المرض كما ناضل وصارع الاستبداد والفساد فى حياته.. ووقف ضد السادات فى سياساته الفاسدة بعد أن استطاع أن يصل إلى مقاعد البرلمان وهو لم يتعدَّ الـ٣٢ عامًا.. ولم يستطع السادات تحمّله مع عدد من النواب الشرفاء فى برلمان ١٩٧٦، فقام بحل البرلمان.
.. ولكن أبو العز استطاع أن يحصل على ثقة الناس فى الإسكندرية ليعود مرة أخرى إلى البرلمان، ليفضح رجال مبارك الذين كانوا يؤهِّلون الابن لوراثة الحكم.. فكشف تحت قبة البرلمان عن فساد أحمد عز فى استحواذه على شركة حديد الدخيلة على حساب حق الشعب.
.. ولم تمر ساعات حتى فُجعنا وصُدمنا برحيل صديقنا وزميلنا خالد السرجانى، الذى لم يتركه المرض أو الأزمة القلبية المفاجئة لاستقبال أحبابه وأصدقائه لتهنئته بالزواج.. بعد ليلة فرحه التى كان يبدو أنه أقامها لوداع أحبابه فى فرح عام.
فقدنا خالد السرجانى الصحفى الخلوق الذى ظلّ مُخلصًا للمهنة منذ التحاقه بالعمل الصحفى وقبلها دراسته الصحافة وخبرته بالعمل فى عدد من المؤسسات الصحفية المختلفة.. ومشاركته فى إرساء قواعد الصحافة المستقلة.. فضلًا عن إعلانه عن حرية الصحافة والرأى والتعبير.. كان دائمًا حاضرًا فى أى فاعلية تخص حرية الرأى والتعبير ومشاركًا فى مؤتمراتها فى أى مكان وعضوًا مؤسِّسًا فى جمعياتها وكياناتها المختلفة.. وكان صاحب مبادرة فى تلك القضية المهمة التى ستظل أبدًا همًّا للصحافة والصحفيين.. ناهيك بكتاباته فى تلك القضايا المهمة.
.. وخالد السرجانى لمن لا يعرفه (وهم كثر وفى مجالات شتى) شخصية موسوعية ومثقَّف كبير.
.. لم يكن اهتمامه يقف عند الصحافة فقط.. لكنه يمتد إلى شؤون الحياة المتماسة مع الصحافة، وليس فى السياسة أو الاقتصاد أو الشأن العام فقط (وقد كان مهتمًّا بكل ذلك ومتابعًا له بدقة.. بل ومشاركًا فيه) وإنما بالأدب والثقافة والفن.
كان متابعًا لكل جديد يصدر فى مصدر عن دور النشر من كتب وروايات وأعمال فكرية.
.. بل كل ما يصدر عن دور نشر كبرى فى الخارج. .. وكان حريصًا على أن يكون أول المقتنين للإصدارات التى تأتى من الخارج.. وقبل بعض الشخصيات الكبيرة التى تحرص على الحصول على تلك الكتب.
ولعل نموذج مذكرات الكاتب والمفكر القومى كلوفيس مقصود ومدير مكتب الجامعة العربية السابق فى أمريكا، دليلًا على ذلك.. فقد كان خالد السرجانى أول مَن حصل على نسخة من تلك المذكرات التى تتناول مرحلة مهمة فى تاريخ الأمة العربية والشخصيات التى تحرَّكت وتتحرَّك على المسرح السياسى خلال الخمسين عامًا.. وذلك قبل شخصيات مثل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وعمرو موسى.
.. فقد كان معروفًا لدى الناشرين، وأصبحوا حريصين على الاتصال به.
.. حتى باعة الكتب القديمة كانوا يعرفون السرجانى ويقدّمون إليه الكثير من كنوز الكتب التى لم يكن يقتنيها فقط وإنما يقرؤها وينقدها ويشرح لزملائه فى جلساته معهم ما بها وأهميتها.
.. وكان موسوعيًّا فى السينما ولا يترك أى فيلم يعرض فى إحدى الصالات إلا وقد شاهده، وكان عضوًا فى جمعية الفيلم ورابطة نقاد السينما.
.. وكنا مستبشرين به فى اختيار الناقد الكبير سمير فريد، له رئيسًا للمركز الصحفى لمهرجان القاهرة السينمائى الذى يدشّن لمرحلة جديدة بعد أن تكلَّست تلك المؤسسة (مهرجان القاهرة) عبر السنوات الطويلة الماضية. لقد كان زميلًا لنا فى تجربة «الدستور» التى كانت تمثِّل ضمير الأمة فى موقفها من فساد واستبداد نظام مبارك، إلى أن جاء السيد البدوى ليقدّمها هدية إلى النظام مقابل مصالحه الشخصية، فقد كان السرجانى مشرفًا على الأخبار والتحقيقات وقدَّم نموذجًا محترمًا للرئيس مع جيل شاب من الصحفيين، فكان السند والمساعد قبل أن يكون الرئيس، فضلًا عن العلاقة الإنسانية لهؤلاء الشباب الجدد. وكان مشرفًا على صفحة «الصحافة» التى قدَّمت ما يمكن أن تعتبره فنًّا صحفيًّا جديدًا هو النقد الصحفى.. وكانت تجربة رائدة لكشف وفضح صحافة الموالسة والاستبداد.. وتحمَّل السرجانى الكثير فى هذا الأمر بتقديمه تلك الرؤية النقدية فى عالم الصحافة والصحفيين.
.. رحم الله خالد السرجانى.
.. وأفتقدك يا خالد.