شهدت بلادنا العربية وما زالت تشهد رياح التغيير فى الأنظمة الحاكمة والخريطة الثقافية عبر ثورات نبيلة لم تكتمل، وهو ما كان متوقعا فى بلاد الديكتاتورية بعد أن تحول معظم بلاد العالم إلى أنظمة ديمقراطية تحترم كرامة الإنسان وحريته، وبقى عالمنا العربى محروما منها لمئات السنين باسم الجهل والفقر والدين، وقد ساعد على ذلك التغيير والتعديل، انتشار شبكات التواصل الاجتماعى للإنترنت و«فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما، وكذا انتشار الفضائيات التى تدخل البيوت بلا استئذان، مما جعل العالم يعيش كأنه فى قرية صغيرة، فأصبح المواطن العربى يرى جاره فى القرية الكونية، ويشعر بفارق الحياة الكريمة والكرامة الإنسانية التى يعيشها جاره الأوروبى أو الأمريكى أو الأسترالى، أو حتى الحيوان فى هذه البلاد، فشعر المواطن العربى بمدى المهانة والإهانة والاستكانة التى جعلته يعيش ميتًا، وحريته تُباد كل يوم باسم الدين والإيمان، وشريعة ما أنزل الله بها من سلطان، وتطبيق هذه الشريعة على المحكومين، ولا يمكن أن تطبَّق أبدا على الحكام، فبدأ المواطن العربى يصحو من سباته الطويل، ويتململ ثم يتحرك ثم يصرخ دون صوت، حتى كاد ينفجر، إلى أن أتت لحظة الانفجار، فخرجوا جميعا، كأنهم كانوا على موعد، فقد ظل الجميع مكبوتا ينتظر لحظة النداء، فكانت ثورات عفوية شعبوية يقودها الإخوة فى الإنسانية، بلا تنظيم وبلا قائد، بهرت العالم وفاجأته، إلا أن الجماعات المتأسلمة العنيفة الدموية، قفزت على هذه الثورات، لأنها الجماعات المُنظمة على قلب رجل واحد، وتدين له بالسمع والطاعة فهو أميرهم ونبيهم ووكيل الله وظله على الأرض، والموت فى سبيله شهادة لا تُدانيها شهادة، فهو رجل كريم والحور العين بين يديه مثل الماء والهواء العليل، يهبها لمن يشاء بغير حساب أو تقييم، فكانت الغَلَبة لهذه الجماعات المتأسلمة، التى أعدت مسبقا الميليشيات العسكرية، وكانت تنتظر هذه اللحظة للاستيلاء على السلطة ومفاصلها لإقرار أمر واقع، فتفاجأت الشعوب العربية بما حدث، فقد ثارت الشعوب على الديكتاتورية السياسية من أجل الحرية، لا من أجل أن تستبدل بها ديكتاتورية أشد دينية فاشية، لأن الجماعات المتأسلمة لا تؤمن بالديمقراطية ولا حقوق الإنسان ولا العلم ولا المساواة ولا الكرامة الإنسانية، فقد تربَّت على الطاعة العمياء بكامل الانبطاح، فكل ما يشغل بال هؤلاء المتأسلمين هو السلطة، فالوضع المتدنى للشعوب ليس فى الحسبان، والاقتصاد المنكوب والشعب المكروب غير مهم ما داموا يعيشون بأمان، وتفشى الجهل وعدم إعمال العقل نعمة من الديان لاستحمار الإنسان، فضاعت البلاد إرضاء لرب الجماعات، وإشباعا لطبيعة الشر والغدر والانقسامات، وعندما انتفض الشعب ضدهم وخلعهم، ظهر وجههم الحقيقى الخائن للوطن، وانكشف وسقط قناع الورع والتقوى بقتل وتفجير وإجرام فكشفهم الله وأخزاهم وأهان كبيرهم قبل صغيرهم، فاحذروا أبنائى وإخوتى المسلمين والمسلمات من هؤلاء المتأسلمين تجار الدين والدروشات، فهم خطر وشر مبين، على شعوبنا والعالم أجمعين.. هذا وعلى الله قصد السبيل وابتغاء رضاه.
الشيخ د. مصطفى راشد