نشر "مايكل هوجز"، كتابا جديدا حول بندقية الكلاشينكوف بلغة أدبية سلسة في كتابه «بندقية الكلاشينكوف سلاح الكلاشينكوف"
يذكر أن "ميخائيل كلاشينكوف" فاز بمسابقة تصميم البندقية الهجومية السوفياتية عام 1947، وخلال عامين أو ربما أقلّ من تاريخ تصميمها، تبنى الجيش السوفياتي تلك البندقية وبدأت رحلة هذا السلاح من حروب التحرير إلى حروب العصابات؛ حين أعلنت مفوضية الشعب في القوات المسلحة، في خريف عام 1943، عن مسابقة لتصنيع سلاح روسي هجومي، لم يكن كلاشينكوف ضمن هؤلاء المرشحين للفوز.
فقد سبق أن تم رفض رشاشه "الرقم واحد" وكانت أسماء أخرى أكبر تتعقب الجائزة لكن عمله مكنه من أن يكون بارعاً في "ميكانيزم" إطلاق النار الآلي، بحيث وفّر له تراكم خبرته والساعات الطويلة التي قضاها في الحديث متنقلاً بين أسرّة الجرحى من الرجال في المستشفى، المعرفة العميقة بكل ما يريده الجنود السوفيات من سلاحهم.
ولم يكن كلاشينكوف في الأصل أفضل مصمم من بين الرجال الآخرين الذين سبقوه في العمل على المشروع، لكنه امتلك مقومات شخصية كانت تجعله يبرز بين أقرانه، إضافة إلى أنّ لديه مَلَكة لا تخطئ لرؤية الحل البسيط للمشاكل المعقدة.
يأخذنا مؤلف هذا الكتاب في رحلة شيقة في عالم السلاح، ابتداءً من مقابلته للجنرال كلاشينكوف، مخترع السلاح الشهير في منزله، مروراً بشتى الحروب والمواجهات الدامية حيث كانت بندقية كلاشينكوف سيدة الموقف، وانتهاءً بالجنرال الذي منح اسمه لنوع من الفودكا الروسية قبل أن يفشل المُنتَج لأنه يذكّر الناس بالقتل والموت.
كان الجنرال يرتدي سروالاً فضفاضاً مجعداً مع قميص أبيض مزرر حتى القبة، وسترة بنية من الصوف وخفّين من الفرو شبه جلد الفهد قال للمؤلف المتحمس لتنفيذ كتاب عن سلاح كلاشينكوف ومخترعه: سيكون هذا الكتاب صعباً للغاية بل قد يكون محالا إن المسألة ليست مسألة من صمم البندقية، نحن فقط نخترعها، نعم. أمّا من يقرر من يحصل عليها، فهم السياسيون، ولا يريد السياسيون الحديث عنها؛ الا ان الكاتب أكد أنه سرعان ما اكتشف أن الشخص الوحيد الذي كانت لديه مشكلة في الحديث عن السلاح هو الجنرال نفسه؛ الجنرال يحبّ تحضير أضلع الأيل الذي يصطاده بنفسه، فهنالك طريقة معينة لتحضير حساء الجنرال الذي يطبّق القوانين حتى على طريقة طبخ الحساء في منزله، وفق ما ينقل المؤلف عن مدبرة المنزل.
قال الجنرال للمؤلف خلال لقائه الأول به ما كان يردده: كيف لي أن أدرك كم سيستمر هذا السلاح أو ماذا سيفعل بالعالم؟ لكنني أدركت الآن بما يكفي كانت هذه البندقية طفلي المدلل يوماً ما، لكنها خرجت عن السيطرة. لا أستطيع إيقافها فجأة. لقد شبّت عن الطوق مسبقاً. لا أحب أن أرى أطفالاً يستخدمون سلاحي في افريقيا أو في أي مكان آخر، ولكن من وضع هذه الأسلحة بأيديهم؟ بالتأكيد ثمة كوارث فكلّ حرب تؤدي إلى قتل الناس لكن قتل المدنيين هو استخدام غير شرعي للسلاح ليس المهم من صنع الأسلحة، إذ يجب أن يكون إشهار البنادق فقط في الحالات الطارئة أو في حالة التهديد الذي يتعرض له الوطن.
وأضاف إن الطوارئ والتهديد من المعايير الموضوعية ولكن بينما كان الجنرال يتحدث كان ثمة بشر يجدون الأسباب المقنعة لكي يُشهروا الكلاشينكوف في طول العالم وعرضه وفي مكان ما من أحد كهوف هندوكوش يصوّر أسامة بن لادن شريط فيديو وإلى جانبه بندقية كلاشينكوف.
يعترف الكاتب بأن من الصعب إيجاد علاقة بين كل تلك المجازر ورجل صغير رشيق يجلس على دكة بقرب بحيرة في منزله لكنّ الكثيرين حاولوا ذلك، والجنرال كان حذراً من الغربيين، وبخاصة الإنجليز والصحافيين منذ أن رُسمت له صورة كوحش ومجرم حرب متأصل متجاهلين كونه مهندساً قام بإيجاد حلول لمشاكل تقنية معقدة ببساطة ألمعية.
فصورته ترسخت لدى الناس باعتباره مصمم الموت الكبير، وقلة من سمع قوله - خارج الكتلة السوفياتية سابقاً - إنه يمقت فكرة أن سلاحه بات يستخدم ضد المدنيين أو حينما دعا في مناسبات عدة إلى جمع بنادق الكلاشينكوف كلها في العالم وتدميرها وظل دائماً متمسكاً بهذا الموقف.
يرصد المؤلف في هذا الكتاب حجم الهيمنة الثقافية لهذا السلاح في الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث تسرب من نوادي الرماية إلى محلات بيع الاسلحة ؛ فانتشر الكلاشينكوف ثقافياً مثل بقعة حبر على ورق نشاف، وحفلت أشهر مشاهد السينما.
وبحسب الكتاب فقد انضمت بندقية الكلاشينكوف إلى فن الروك ومشروب الكوكا كولا في قائمة المنتجات الأكثر نجاحاً في العالم؛ دون أن يقصد، كرس المخرج الهوليوودي ردلي سكوت أهمية الكلاشينكوف من خلال احدى افلامه "سقوط طائرة بلاك هوك" الذي اخرجه بهدف تحسين سمعة الجندي الامريكي دون ان يدري انه يسلط الضوء على مميزات الــ"كلاشينكوف"
رصد مايكل هوجز، الكاتب والصحافي البريطاني الذي سبق أن نال جائزة العمود الصحافي في العام 2008، وجائزة الحملة الاعلامية للمساواة بين الأعراق في العالم 2006، بلغة أدبية توثيقية واضحة التسلسل الزمني لسيرة سلاح بسيط صمد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي الذي اخُترع السلاح للدفاع عن حدوده لكنّ الشيوعية انتهت وعاش الكلاشينكوف.
كان من المتوقع أن نعثر على هذه البندقية في كومة الخردة، فعمرها ستون عاماً، وحملها ثقيل وهي تفتقر إلى الدقة فهى قديمة الطراز مقارنة بالبنادق الهجومية المصنعة من البلاستيك والكاربون التي يستخدمها الجيشان الأميركي والبريطاني اليوم.
حتى أنها لم تكن البندقية الهجومية نصف الآلية الأولى التي تستخدم في ساحات الحرب بل البندقية الألمانية التي استخدمت ضد الروس خلال الحرب العالمية الثانية كذلك لم تكن بندقية الكلاشينكوف السلاح الأكثر تعقيداً في عصره، لكن البساطة الشديدة لهذه البندقية هي التي أدت إلى نجاحها.
إن هذه البندقية بأجزائها الثمانية القابلة للفك والتركيب رخيصة التصنيع وسهلة الاستخدام ؛ فهى سهلة جداً لأي مقاتلً، بحيث يستطيع أن يطلق بمعدل 650 طلقةً مدمرةً في الدقيقة بعد فترة تدريب بسيطة ويمكن أن تُفكّ هذه البندقية في أقل من دقيقة واحدة، وتُنظف بسرعة وفي الظروف المناخية كُلها تقريبا وحتى لو لم تكن نظيفة، فإنها تبقى الأكثر قدرة من منافساتها في حالات مشابهة في ساحة المعركة.