المستغنى لا يورث أملاكا ولا أرصدة فى البنوك ولا شهرة تفتح شهية نميمة المجالس...
المستغنى يورث محبة وأحلاما... وقوة تحير معها المؤمنين بالأمر الواقع والأقدار الحاكمة.. فكيف يضحك الذى تتصوره مهزوما؟ من أين تأتى القوة لمن لا يملك شيئا أو يبدو كذلك؟
هكذا لم يكن عزاء أحمد سيف مقبضا رغم الحزن والشعور بالقهر، فالأولاد سيعودون إلى السجن والأب نام فى مرقده إلى الأبد...
لا يتصارع أبناء المستغنى على تركة أو نصيب من نفوذ الأب؟ كما لا تشعر الأم بأنها وحدها لأن ليلى سويف لديها اكتفاء لا يحتفى بالكماليات.. ولا باستعارات الشكاوى والأسى السهل....
«اللى شوفته النهاردة.. يخلينى أستحمل أكتر من كده».
قالت ليلى بعدما رأت المحبة والاحترام لرحلة سيف وأولاده الصعبة.. كما رأيناها فى ذلك المساء على مقربة من ميدان التحرير..
قالت ليلى ذلك وشريك حياتها غاب.. واثنان من أبنائها سيعودان إلى محبسهما.. قالته وحضورها ينبه إلى ما يغيب فى زحمة دوران ماكينات المال وهدير السلطة وطغيان وحوش قتل كل قيمة من أجل الربح..
ليلى التى قالت ذلك لا تملك إلا ثقة فى أحلامها وأفكارها وانتباها إلى حقائق كونية من صنع البشر: إنه لا شىء يذهب معك للقبر.. وإنك لذلك عشت أنانيا تسرق وجودك بسحق كرامتك أو إيذاء الآخرين...لن يضيف هذا إلى عمرك يوما.. كما لن يصحبك إلى حيث تذهب سوى كوابيس ولعنات.. هذه سلالات مربكة لأنها تتقشف حتى فى النسب المسموح بها.. وهذا سر لمعة نظرتها فى يوم من المفروض فيه أن تكون مهزومة.. مكسورة.. كما تريدها آلات القهر وشفط قيم الجمال والحق والحرية.
فى الاحتفال شحنت طاقات المحبة عائلة مرهقة وأضافت إلى أيام مصر يوما.. بما يليق بمحبى الحياة والباحثين عن السعادة.. قد تختلف مع كثيرين وتتقاطع الطرق مع تيارات وأفكار.. لكن هناك ما يخيم على مكان فيه كل هذه المشاعر التى لم تستسلم حتى لإحباط أو أسى أو حتى تنظيم صارم صرامة لا تشبه صاحب الاحتفال.
كان احتفالا بكل ما تعنيه الكلمة من خروج عن المتوقع والمنتظر والأكليشيه.. ولا عن الطقوس التى تمتصك داخلها أو تصبح فيها جزءًا من دائرة ضخمة تبتلع الاختلافات ليتشابه الجميع.
كيف فعلت ذلك عائلة عاندت السلطة؟
عائلة لا تملك إلا المحبة ودفاعها عن الحق/ من وجهة نظرها/ وسيّرها الطريق إلى آخره..
كيف فعلت ذلك مجموعات تشعر أنها فى أنابيب عزلتها تموت كل ليلة كمدا.. وتقيم حفلات لطم يومية وطقوس إدانة لذات لا تنتهى؟
فى هذه الليلة كان انتصار ما لمن يقف بجوار الحق وهو يدرك أنه لا حقيقة معه وحده.. ومن لا يتصور أن الخلاص معه.. وأن المعاناة تدفن صاحبها.
هذه عائلة تعانى لكنها محاطة بالمحبة.
ورغم كل ما تفعله دولة جبارة قوية مارست حربها لدفن الأحلام بالتغيير والخروج من الأسر.. فإنها لا تمنع من توالد سلالات التمرد من الأب ابن حركة طلاب ١٩٧٢ إلى أبناء وبنات من يناير ٢٠١١.. لم تتوقف تلك القدرة على كسر السجن الافتراضى أو الاستسلام لكتالوجات المواطن المثالى..
نعم كان عزاء أحمد سيف ليلة فى محبة فرد لم يكن مثاليا من وجهة نظر الدولة...
وهذا ما سنظل نحكى عنه.