تذكرت كلمات الأبنودى «رميت نفسك فى حضن سقاك الحضن حزن»، وأنا أتابع ما جرى قبل يومين فى اتحاد الكُتاب، وأشار إليه قبل يومين الزميل إياد إبراهيم فى «الشروق»، لا يمكن أن نعتبر الأمر مجرد خلاف فى وجهات النظر يحتمل الرأى والرأى الآخر، لكنه مجتمع يتراجع عن طريق الحرية خطوات واسعة للخلف دُر، عدد من مثقفيه يقفون فى مقدمة الصف يقودون حركة التدهور «مارشيدير» بمعدلات سرعة غير مسبوقة، اضطر الكتاب الثلاثة عبد الرحيم كمال «دهشة»، ومريم نعوم «سجن النسا» وناصر عبد الرحمن «جبل الحلال» إلى الانسحاب احتجاجا على تلك الحالة من التردى فى توجيه تلك الاتهامات العشوائية، أنا دائما أقف ضد اختيار الانسحاب ومع المواجهة، رغم أن الرسالة التى يبدو أن الكُتاب الثلاثة حرصوا على إيصالها، هى أننا أخطأنا فى العنوان لسنا فى اتحاد الكتاب، ولكنه معقل الدعادشة.
من السهل أن تكتشف أن هناك من يريد التراجع عن الحرية، كأننا جميعا نخضع لقانون الأوانى المستطرقة، الأغلبية تبدو وقد اتفقت على ضرورة هبوط السقف، الصحافة تلعب دورا فلم يعد لدينا مثلا كاريكاتير يقترب من الرئيس، عُدنا مرة أخرى «على قديمه»، أقصى ما تطمع إليه هو أن تنهال بالسخرية ضد محلب رئيس الوزراء وأنت نازل، الفضائيات كلها تخشى انتقاد أى قرار به شبهة الخروج عن الاصطفاف خلف القائد، يبدو كأنه قرار استراتيجى يحاول كل مسؤول فى موقعه أن تصل الرسالة، وهى أنه يعرف جيدا المطلوب، الانضباط المطلوب فى الشارع، الذى بدأ بإبعاد الباعة الجائلين صار عند البعض يعنى وجها آخر فى الدراما، وهو وقف كُتاب الدراما المارقين عند حدودهم.
لا أراه أمرا عشوائيا، هناك من يسير فى الركب مع المجموع وهو مغمض العينين، ولا يستطيع التوقف، كل التفاصيل تشير إلى ذلك، والحجة أن الدولة تتجه إلى العمل، وأن أى قرار قد يوقف المسيرة علينا أن نتصدى له، وهكذا بدأنا نرى خفوت صوت المعارضة فى الإعلام، صارت الدولة فقط هى الحاضرة بكل ما تريده وبأكثر حتى مما تريده، محمد صبحى يملأ الفضائيات بحديثه عن التردى الأخلاقى فى الفنون، خصوصا الدراما، هناك كبار يختزلون الأعمال الفنية إلى مشاهد يلتقطونها بتعمد من السياق، كاتب كبير يكاد يبكى فى أحد الاجتماعات بحجة أنه شاهد ابنا يحرق أباه فى مشهد من مسلسل «ابن حلال»، ومخرج كبير يعلو صوته منددا فى إحدى اللجان، لأنه شاهد فى مسلسل «عد تنازلى» إرهابيا يصنع قنبلة يدوية، كأن صناعة القنبلة ليست متوفرة بكثرة على النت، وآخر يقول إنه شاهد فى إحدى حلقات مسلسل «دلع البنات» مانيكان من البلاستيك عاريا داخل محل لبيع الملابس.
كأنهم يعيدوننا مرة أخرى نحو 13 عاما إلى فيلم داوود عبد السيد «مواطن ومخبر وحرامى»، يبدو داوود كأنه كان يقرأ المستقبل، عندما جعل الحرامى الذى أدى دوره شعبان عبد الرحيم يغطى الجسد العارى لتمثال، هذه الشخصية صارت الآن هى السائدة بل والمرحب بها.
وهكذا جرت أحداث الندوة: اتهام من أعضاء اتحاد الكتاب للمؤلفين الثلاثة بتعرية المجتمع بدلا من ستر عيوبه.
الاجتماع داخل معقل الدفاع عن الإبداع، فأصبح هو المنصة الرئيسية لإطلاق الصواريخ المضادة للإبداع، صار الجيل القديم مثل عواجيز الفرح لا همّ لهم سوى التشهير بهذا الجيل واتهامهم بالتسيب الأخلاقى، لم يعودوا قادرين على ملاحقة المستجدات فى الحياة، ولا تقنيات الشاشة العصرية فى اختيار الكلمة وتوجيه الكاميرا، فأصبحوا متفرغين لاجتزاء كلمة أو موقف هنا أو هناك، ويعتبرونها إهانة لا تغتفر، اتحاد الكتاب عليه من اليوم تغيير اليافطة التى تتصدر المقر إلى اتحاد الدعادشة.