ايجى ميديا

الأربعاء , 8 مايو 2024
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

جمال فهمي يكتب: .. وما الجنون؟!

-  
جمال فهمي

أول من أمس حلت الذكرى الثامنة لرحيل نجيب محفوظ، أعظم مبدعى الحكى فى وطننا وأمتنا العربية وأجمل زهرة فى بستان نهضتنا الحديثة، التى تسعى الآن قطعان وعصابات «الجاهلية الجديدة» الخارجة علينا من جحور البؤس والظلام العقلى والروحى والأخلاقى، لتجريفها وتخريبها.


ونكاية فى هذه القطعان الجلفة المجرمة الغشيمة، سأزين السطور المقبلة بمختصر مخل «أكيد» لواحدة من أجمل إبداعات محفوظ.. «همس الجنون»، التى كان عنوانها هو نفسه عنوان أول مجموعة قصص قصيرة تنشر له فى عام 1939، وهو يستهلها استهلالا غريبا «بل ربما عبقرى»، إذ مباشرة ومن دون أى تمهيد يقذف فى وجه القارئ السؤال الآتى:


وما الجنون؟


إنه فى ما يبدو حالة غامضة كالحياة والموت، تستطيع أن تعرف الكثير عنها إذا أنت نظرت إليها من الخارج، أما الباطن، فسر مغلق. وصاحبنا يعرف الآن أنه نزل ضيفا بعض الوقت بالخانكة، ويذكر ماضى حياته كما يذكره العقلاء.. أما تلك الفترة القصيرة -قصيرة كانت والحمد لله- فيقف وعيه حيال ذكرياتها ذاهلا حائرا لا يدرى من أمرها شيئا.


كانت رحلة إلى عالم أثيرى عجيب، ملىء بالضباب، تتخايل لعينيه منه وجوه لا تتضح ملامحها، وتجىء أذنيه منه أحيانا ما يشبه الهمهمة، وما إن يرهف السمع ليميز مواقعها حتى تفر متراجعة تاركة صمتا وحيرة.


ضاعت تلك الفترة السحرية بما حفلت من لذة وألم، حتى الذين عاصروا عهدها العجيب أسدلوا عليها ستارا كثيفا من الصمت والتجاهل لحكمة لا تخفى، فاندثرت دون أن يتاح لمؤرخ أمين أن يحدث بأعاجيبها. كيف حدثت؟ ومتى وقعت؟ وكيف أدرك الناس أن هذا العقل غدَا شيئًا غير العقل؟ وأن صاحبه أمسى شاذًّا يجب عزله؟


كان إنسانا أخص ما يوصف به الهدوء المطلق. ولعل ذاك ما حبب إليه الجمود والكسل وزهده فى الناس والنشاط، وقد عدل عن التعليم فى وقت باكر، كما أبى أن يعمل مكتفيا بدخل لا بأس به.. كانت لذته الكبرى أن يطمئن إلى مجلس منعزل على طوار القهوة، ويلبث ساعات متتابعات جامدا صامتا يشاهد الرائحين والغادين بطرف ناعس وجفنين ثقيلين، لا يمل ولا يتعب ولا يجزع.


ثم ماذا؟!


رأى يوما -إذ هو مطمئن إلى كرسيه على الطوار- عمالا يرشون على الطريق رملا أصفر فاقعا يسر الناظرين، بين يدى موكب خطير، ولأول مرة فى حياته يستثير دهشته شىء، فيتساءل لماذا يرشون الرمل؟ ثم قال لنفسه إنه (الرمل) يثور فيملأ الخياشيم، ويؤذى الناس، فيعودون ويكنسونه، فلماذا يرشونه إذا؟! أمضى يومه حائرا أو ضاحكًا، يحدث نفسه فيقول: يرشون فيؤذون ثم يكنسون.. ها ها ها!


وفى اليوم الثانى لم يكن أفاقَ من حيرته بعد. وقف أمام المرآة يهيئ من شأنه.. ومضى يقلب عينيه فى ملابسه جميعا بإنكار وغرابة. ما حكمة تكفين أنفسنا على هذا الحال المضحك؟ لماذا لا نخلع هذه الثياب؟ لماذا لا نبدو كما سوانا الله؟ بيد أنه لم يتوقف عن ارتداء ملابسه وغادر البيت كعادته (لكنه) لم يعد يذوق هدوءه الكثيف، الذى عاش فى إهابه دهرا طويلا، كيف له بالهدوء وهذه الثياب الثقيلة تأخذ بخناقه على رغمه؟! أجل على رغمه. أليس الإنسان حرا؟ تفكر مليا ثم أجاب بحماس: بلى أنا حر، وملأه بغتة الشعور بالحرية، وأضاء نور الحرية جوانب روحه..


مر فى طريقه إلى القهوة بمطعم رأى على طواره مائدة ملأى بما لذ وطاب، يجلس إليها رجل وامرأة متقابلين يأكلان مريئا ويشربان هنيئا، وعلى بعد يسير منهما جلس جماعة من غلمان السبل عرايا إلا من أسمال بالية، فلم يرتح لما بين المنظرين من تنافر، وقال له فؤاده: «ينبغى أن يأكل الغلمان مع الآخرين»، ولكن الآكلين لا يتنازلان (طواعية) عن شىء من هذه الدجاجة، أما إذا رمى بها إلى الأرض فتلوثت بالتراب فما من قوة تستطيع أن تحرم الغلمان منها.. اقترب من المائدة بهدوء ومد يده إلى الطبق فتناول الدجاجة ورمى بها عند أقدام العرايا، ثم سار إلى حال سبيله غير عابئ بالزئير الذى يلاحقه مفعما بأقذع الشتائم، بل غلبه الضحك على أمره فاسترسل ضاحكا حتى دمعت عيناه.


بلغ القهوة (أخيرا) فمضى إلى كرسيه المعتاد، بيد أنه رأى -فى تلك اللحظة- شخصا غير غريب عن ناظريه كان له جسم ضخم وأوداج منتفخة ويسير فى خيلاء، عندئذ غالبته الضحكة الغريبة التى ما انفكت هذين اليومين تعابثه.. ثبتت عيناه على الرجل وعلى قفاه البارز (بالذات) وتساءل أيتركه يمر بسلام؟ معاذ الله.. قام واقترب من الرجل، ورفع يده وهوى بكفه على القفا، رنت الصفعة رنينا عاليا وانفجر هو ضاحكا.. رغم الضرب والركل.

التعليقات