قال الروائي رؤوف مسعد إن نجيب محفوظ هو مثل الفلاح الفصيح في الأدب الفرعوني الذي لم يكف عن رفع "مظلمته" للحاكم، فهو رفع محفوظ مظلمته عن التعذيب في أقبية أجهزة الأمن في الستينيات في رواية "الكرنك"، ورفع مظلمته عن تدهور أحوال طبقته الوسطى في "ثرثرة فوق النيل"، ومظلمته عن الفقر الذي يقود البنات إلى الدعارة في "زقاق المدق" ورفع مظلمته في "أولاد حارتنا" عن تحول الحاكم إلى طاغية.
وأضاف رؤوف مسعد في تصريح للقسم الثقافي بوكالة أنباء الشرق الأوسط لمناسبة حلول الذكرى السنوية الثامنة لرحيل نجيب محفوظ أن صاحي الثلاثية والحرافيش لم يكف عن رفع مظالمه إلى حكام مصر وإلى شعبها، وأتخيله مثل "الكَتبة" الذين يجلسون أمام المحاكم والدوائر الحكومية يرفعون مظالم الناس إلى "من يهمهم الأمر".
ويرى رؤوف مسعد، صاحب رواية بيضة النعامة"، أن نجيب محفوظ ساهم – دون أن يدري – أن يكتب هو بالطريقة التي يكتب بها الآن.. "أي شجعني على التمرد"، فحينما قرأت له بداية "بين القصرين" هالتني أفعال السيد أحمد عبد الجواد ومجونه، فهو الأب والزوج المحترم التقليدي في النصف الأول من اليوم، ثم الماجن في النصف الثاني، وكذا ياسين الابن الذي أحب عشيقة الوالد ثم تزوجها.
ويضيف: هالني أيضا "عطفه" على شخصياته، فهو لا يدينها أخلاقيا، بل هو رؤوم بها مثل "حميدة" في "زقاق المدق"، وشخصياته في "اللص والكلاب"، حتى تلك التي يشمئز القارىء من "أفعالها"، فهو كان يعرف أن وظيفة الأدب ليست الإدانة الأخلاقية بقدر ما هي اتخاذ موقف سياسي واع. ويقول رؤوف مسعد إن لغة نجيب محفوظ "الجديدة" المغموسة باليومي العامي تفتح الباب أمام مغامرة التجديد بدون الإخلال بجزالة الفصحى وقواعدها (!) فهو أفلح في ما لم يفلح فيه طه حسين في محاولته اختراق الفصحى.. تأمل قول محجوب عبد الدايم في "القاهرة الجديدة" عن البنت قريبته: "من يركبها يركب طبقتها".. أية جزالة وأية "سوقية" أيضا تخترق تابوهات الجنس و"الأخلاق الحميدة"؟!
وأوضح أن محفوظ استطاع التعامل مع الجسد والجنس في أعماله بحرفية جواهرجي يبرز لك شيئا ويجعلك تتخيل أشياء.. هذه فصاحة من نوع خاص لا يقدر على ركوب متنها سوى من رفض أن يركب البحر أو الهواء ليقابل ملك السويد ليتسلم جائزته، وقد فضل أن يواصل ارتداء بذلته السفاري واحتساء القهوة في "البن البرازيلي"!