ماذا قال الإعلاميون الذين حضروا لقاء السيسى الأخير والذين وصف مجدى الجلاد كلمات بعضهم -كشاهد من أهلها- بأنها حاجة تكسف؟ لأسباب من الممكن تفهُّمها لن نعرف الآن بالضبط ما حدث، إلا أننا مع الزمن من الممكن أن نجده متوفرا فى الصندوق الأسود. ما رأيكم فى لقاء رئاسى آخر وصفه شاهد من أهلها وهو يوسف القعيد بأنه كان أيضا حاجة تكسف؟ أرى أن الأمانة تقتضى من شهود العيان أن ينشروه على الملأ، إنه آخر لقاء عقده حسنى مبارك قبل أربع سنوات مع المثقفين قبل إجباره على التخلى عن الحكم. أفهم أن بعض الإعلاميين حاجة تكسف، ولكن لماذا كبار أدبائنا مثل إعلاميينا فى حضرة الرؤساء دائما حاجة تكسف؟ ولماذا صمت كُتابنا الكبار حتى الآن على الإشارة إلى اللقاء؟
كان من بين الحاضرين جابر عصفور وفاروق حسنى ومحمد سلماوى وسيد ياسين وصلاح عيسى وأحمد عبد المعطى حجازى، مع القعيد بالطبع، بالتأكيد لم يجرؤ أى منهم أن يسأله عن الفساد ولا التوريث، أتذكر بعضهم بعد اللقاء وهم يشيدون بمبارك أمام الفضائيات وكيف أنه بصحة جيدة وخفيف الظل وابن نكتة ومتواضع، بينما بمجرد نجاح الثورة شاهدناهم جميعا وهم يعلنون فى كل الفضائيات أنهم كانوا ضد فساد مبارك وخاضوا معركة ضد التوريث. الدولة تتحسب -كانت ولا تزال- فى انتقاء مَن يجلس مع الرئيس إلا أن الجميع يدرك أنه مع الزمن لن يفلت على الأقل من ضرورة الإجابة عما قاله فى حضرة الرئيس.
وثائق الاجتماع الأخير لمبارك شهودها أغلبهم لا يزال يتمتع بذاكرة جيدة كما أنهم يمارسون فعل الكتابة، فلماذا يغضون الطرف عن هذا اللقاء؟ التفسير الوحيد أنهم لا يجرؤون. كان مبارك قد عقد قبلها اجتماعا مع عدد من النجوم مثل حسين فهمى والفخرانى والعلايلى ومحمود ياسين ويسرا ومنى زكى ونيللى كريم، وهو اللقاء الذى اعتذر عنه عادل إمام وأشارت الجرائد وقتها إلى أنه أكل جبنة بالشطة أصابته بإسهال مما حال دون تلبية الدعوة. أفهم بالطبع أن الرئيس عندما يلتقى النجوم يريد أن يستمع إلى «خمسة فرفشة»، وهم يمنحونه بدلا من الخمسة عشرة، ويبدو مع المثقفين أن الأمر وصل إلى «خمسة عشر فرفشة».
أعربوا عن امتنانهم لأن دائرة الرئاسة اختارتهم وفى العادة يطمعون فى التكرار، والحل هو أن لا يزعجوا الرئيس بأسئلة خارج المقرر، ومع مرور كل هذه السنوات وقيام ثورتين وحبس رئيسين لا يزالون على العهد صامتين.
هؤلاء هم الذين يحتلون حتى الآن صدارة المشهد، حتى وزير الثقافة جابر عصفور الذى عيّنه مبارك فى آخر تشكيل وزارى وقفز فى اللحظة الأخيرة من السفينة قبل يومين من تنحى مبارك هو نفسه الذى صار الآن واجهة الدولة وعنوان المثقفين، لا أتصور أن هناك مَن صدَّقه عندما ذكر فى آخر حوار له نشره الزميلان إبراهيم داوود وخالد السرجانى على صفحات «الأهرام» أن الدولة اختارته لأنه كتب مقالا تناول فيه أزمة الثقافة فرشحه محلب.
عصفور وشركاه هم رجال كل العهود ينتقلون برشاقة من نظام إلى نظام ويضبطون الموجة الجديدة فى لحظات ولهذا تختارهم دائما الدولة.
أتمنى أن يلتقط أحد الصحفيين الشباب من زملائى فى «التحرير» هذا الخيط ونحن نقترب من مرور أربع سنوات على آخر لقاء لمبارك مع المثقفين ويسألهم بالضبط ما الذى قالوه طوال ثلاث ساعات؟ وما الذى قاله الآخرون؟ سوف نكتشف لو امتلكوا الشجاعة وأجابوا أن ما قاله هؤلاء الكبار لمبارك كان يكسف أكتر مما قاله الإعلاميون فى حضرة السيسى!