أزمة الكهرباء ليست جديدة.
الجديد هو إصرار أجهزة الدولة على الفشل.
الفشل بما أنه قدرنا... فكيف نتكلم عن الظلام الذى نعيشه؟ ألا نرى ما حدث فى العراق وسوريا؟ و«لازم نستحمل....» و«المشكلة فى أن الاستهلاك يزيد...» إلى آخر تلك الأسطوانات المشروخة... وشرختها ليست وليدة اليوم... لكنها منذ ٢٠٠٩ حين بدأت إشارات دخول مصر عصر الظلمات.
أضيفت إلى الأسطوانات مؤخرًا فقرات من نوع «السيسى يغضب ويأمر بحل الأزمة فى ٣ أيام» وهو لغز أكبر من تعلم الحياة فى الظلام. من ترك الأزمة تتفاقم إلى أن تصبح مصدرًا إلى الاكتئاب والذعر من الحياة فى دولة مهددة بالإظلام التام؟ ومن أعاد مصر إلى «حالة الحرب» دون حرب؟ ثم كيف ينتهى كل ذلك/ لو انتهى طبعًا/ بغضبة من السيسى؟
الواقع أننا نعيش لحظة انهيار للبنية الأساسية للدولة بسبب «جرائم الفساد» وعدم الكفاءة فى إدارة الأزمات أو التفكير فى المستقبل وهى مهمة أى جهاز إدارى أو طريقته فى تجنب الكوارث أو التفكير فى حلول للمستقبل.
ومنذ ٢٠٠٩ وليس لدى جهاز الدولة إلا تعليق الكارثة على زيادة الاستهلاك... فى إطار سياسة يشعر فيها المواطن بالعار، لأنه أصبح حملا ثقيلا على الدولة. هو السبب فى العتمة التى تعيشها مدن كاملة، وشوارع وسط المدينة، هو السبب فى عودة الظلام، وانتعاش خفافيش الجريمة.
رغم أن الكفاءة تشير إلى أن مهمة الأجهزة ووظيفتها ليست الجباية ولا فرض إتاوات على الناس وإنما التفكير/ نعم التفكير/ فى حلول مستقبلية.. لكى لا تقع كوارث... مثل التى نعيشها.
ومنذ ٢٠٠٩ أى فى عصر الفساد الجميل أيام مبارك والمعلومات تتحدث عن انخفاض معدل إمداد محطات الكهرباء بالغاز الطبيعى بداية من ٢٠٠٤، حيث انخفض بنسبة ٢٪ وتزامن ذلك مع بدء وزارة البترول فى تصدير الغاز الطبيعى إلى إسرائيل (والذى كشفت شهادة اللواء مختار التهامى مدير المخابرات أن هذا كان يتم فى إطار بحث جهاز المخابرات ورئيسه وقتها عمر سليمان عن ضمان موارد للجهاز.. وهذه قصة عبثية أخرى).
هذا الانخفاض أدى كما قالت المعلومات وقتها إلى اضطرار وزارة البترول (والكلام ما زال فى حدود المعلومات المتوافرة من ٥ سنوات).. إلى توريد مازوت غير مطابق للمواصفات بدلا من الغاز وهو ما خسرت الشبكة القومية للكهرباء بسببه ١٦٠٠ ميجاوات.
أكتب هنا من واقع مقال نشرته وقتها محذرًا من مشاعر الناس بأن الدولة تقودنا إلى «القرون الوسطى»... بما يمكن أن يفقد الثقة فى «الدولة» ويعمم المعاناة إلى درجة تنشر الكآبة وعدم الأمان.. إضافة إلى تحقيق خسائر ضخمة على مستوى الاقتصاد والدخل العام.
وبعد ٥ سنوات نحن نعيش الانهيار الذى حذرنا منه مضافا إليه محاولة استثمار أزمات الكهرباء فى تثبيت الشعور بالأزمة، وكأن العادى هو المعاناة (لازم نستحمل) وبأن الحل عند بطل لا خطة علمية وحلول جذرية (السيسى غضب)، والأهم أننا أصبحنا نتعامل كما لو كان وجود شخص لا يفهم أو عديم الكفاءة قدرنا ونصيبنا، وسط بلاد لا تحاسب مسؤوليها ولا تحترم الحياة ولا تعرف حقوقها.
الحياة فى الظلمات تثبت من جديد أننا أمام أجهزة دولة تجمع بين إحكام القبضة القديمة وعشوائية الأداء... أى أنه جهاز مسيطر وعشوائى... يتحكم فينا ويدفعنا إلى كارثة... والخطر هنا أن جهازًا بهذه الكيفية يرفض التطور والإصلاح، بل ويحارب التغيير ويحارب لتصبح «الدولة» كيانا مقدسا لا يمسه التجديد ولا تغيير البنية ولا إعادة هيكلة أجهزتها الميتة... وهذا يدفعنا إلى وضع عبثى لا يمكن فيه التفكير إلا تحت أقدامنا.. بلا أمل.. ولا طاقة تبنى المستقبل.
وهذه إحدى نتائج عصر الظلمات.