هل هناك أمل فى يقظة استثنائية للإعلام الرسمى الذى كان ولا يزال خارج نطاق الخدمة؟ من الناحية النظرية ممكن بالطبع حدوث ذلك، فهو قد مات إكلينيكيا بعد ثورة 25 يناير، ولا يزال ينتظر معجزة تعيد إليه الحياة.
دعونا نبحث أولا عن إجابة لهذا السؤال، هل الدولة بحاجة إلى إعلامها الرسمى؟ نعم فهى قضية أمن قومى بالدرجة الأولى، ولا يمكن لبلد من العالم الثالث أن يستبدل القطاع الخاص بإعلامه الرسمى، رغم أنك ببساطة تستطيع أن ترى القطاع الخاص يؤدى نفس الدور، وفى الحالتين، الرسمى أو الخاص، ليسا بعيدين عن قبضة الدولة. النظام الحالى أصبحت قبضته أشد إحكاما على القطاع الخاص من زمن مبارك.
كان السماح للفضاء الخاص فى نهاية التسعينيات ضرورة وحتمية، وليس رغبة فى زيادة رقعة الحرية، فلم يكن مبارك أو وزير إعلامه صفوت الشريف وكل الذين معه مؤمنين أصلا بالحرية، كنا نتندر فقط بعبارة صفوت الشهيرة «نحن نعيش أزهى عصور الديمقراطية»، كان شرط السماح للقطاع الخاص بالحصول على الترخيص، أن يلعب فى هامش مقنن من المعارضة، بعد أن لاحظت الدولة أن عددا من الفضائيات العربية يتناول الشأن المصرى السياسى وأن الجمهور يتابعه، فقررت أن تمنح القطاع الخاص دورا ليعبر عما تريده وتتجاوز فيه الخطوط السائدة فى ماسبيرو، السلطة تبسط نفوذها، والتعليمات تنتقل من الدولة إلى تلك الفضائيات فهم فى النهاية جزء من المنظومة. أغلب القنوات كانت تعلم أن بقاءها مرهون سياسيا بالنظام ومدى تقبله أو رضائه عنها، وهكذا مثلا عندما خرج أحمد بهجت صاحب قنوات «دريم» قليلا عن الخط، أو لعله تصور أن هذا ضمن المسموح به وأذاع المحاضرة التى ألقاها محمد حسنين هيكل فى الجامعة الأمريكية متناولا السلطة التى شاخت فى مواقعها، دفع الثمن من ملاحقة قانونية.
قررت الدولة أن تُقدم الدرس العملى فى عام 2004 مع تعيين د.البلتاجى وزيرا للإعلام وأنشأ برنامج «البيت بيتك»، وهى نافذة تتيح هامشا من الانتقاد ويصل السقف لأول مرة إلى رئيس الوزراء، بالطبع تخبط الإعلام الرسمى كثيرا حتى وصل إلى أن النجم ينبغى أن يتصدر المشهد، وهكذا تم الاتفاق مع محمود سعد لينتقل من «إم بى سى» وخيرى رمضان من «أوربت» مع الاحتفاظ بتامر أمين ابن ماسبيرو، الذى يظهر فى اللحظة المناسبة ليضبط المؤشر ناحية الدولة. الفضاء الخاص يلعب أيضا فى نفس الهامش، وكانت قضيته تمرير مشروع التوريث الذى ينكرونه الآن، الكل ينكره، مدنيين وعسكريين، كأننا لم نعش كمصريين هذا الكابوس.
وهكذا شاهدنا عديدا من البرامج تستضيف النجوم والسياسيين، وفى نهاية اللقاء يكون السؤال الملغوم: هل أنت مع التوريث؟ والإجابة النموذجية هى: مَن قال إن هناك توريثا، جمال مواطن مصرى متعلم يجيد الإنجليزية والتعامل مع الكمبيوتر، ومن حقه التقدم للانتخابات، البعض يزايد ويعلن أنه يرى فيه الأمل القادم.
كان إعلام الدولة فى تلك السنوات لا يزال يشغل جزءا من الصورة، بعد الثورة تآكلت تدريجيا المصداقية، وصار يتسول بقايا الفضائيات، وكثيرا ما نقرأ أن شركة إنتاج أرسلت نسخة مجانية من مسلسلها الرمضانى وهى بالطبع تحدد له توقيت البث، مع إدراكها أنه لن يحقق لا مشاهدة ولا عائدا من الإعلانات، وهو ما حدث بتنويعة أخرى فى اجتماع السيسى مع الإعلاميين عندما عرض البعض تقديم برنامج مجانى على شاشته.
التبرعات لن تكفى، ومع الزمن لن تُجدى ما دامت عقول القيادة فى ماسبيرو لا تزال تعتقد أنه كلما أكثَرَ من وضع الكلمات المؤيدة للسيسى على خريطته فإنه يضمن بقاءه على الكرسى. إعلامنا الرسمى يتسول البقاء من بقايا الفضائيات ومن رضاء الرئيس!!