نعرف جميعا أن النسيان نعمة من أثمن النعم التى أفاء بها المولى تعالى على عباده من بنى البشر، فلو لم يتمتع الإنسان بهذه النعمة لاستحالت حياة الناس جحيما لا يطاق.. ومع ذلك فالنسيان كأى شىء آخر، القليل منه نعمة قد تنقلب نقمة إذا زاد واستفحل، فمرض الـ«ألزهايمر» أو «الخَرَف» (من التخريف بعيد عن السامعين) من أعراضه الضعف الشديد فى الذاكرة القريبة بالذات، وهو غالبا يصيب المتقدمين فى السن، لكنى مؤخرا قرأت أن ٧٥٪ من الأمريكيين الذين تبلغ أعمارهم خمسين عاما فما فوق يعانون أعراض داء الـ«ألزهايمر»، وانتشرت فى الولايات المتحدة كتب وبرامج عديدة ترشد الناس إلى طرق ووسائل مختلفة تساعد على تقوية الذاكرة والوقاية من الوقوع فى براثن هذا المرض اللعين، منها المداومة على ممارسة بعض التمارين العقلية البسيطة مثل تمارين الحساب (بعيدا عن استسهال استخدام الآلة الحاسبة «كلكليتور») وتمارين نطق وصوتيات يعتقد الخبراء أن لها تأثيرا قويا فى الحفاظ على المخ البشرى.
وقد أدهشتنى حقا نسبة الإصابة المرتفعة بداء الخرف فى صفوف الأمريكيين، لكنى تذكرت أن بعض هؤلاء المخرفين وصلوا فعلا إلى الحكم هناك، من أشهرهم رونالد ريجان الذى ظهرت عليه أعراض الداء قبل انتخابه رئيسا، وقد كابد العالم كله وقت وجوده فى البيت الأبيض (١٩٨١- ١٩٨٩) آثار تخريف رئيس أقوى دولة على سطح الأرض، وسجَّل التاريخ كيف أن اختلاط الـ«ألزهايمر» بالجهل المريع صنع كارثة للإنسانية لها ملامح مسخرة فاقعة جدا لم يَفُقْها إلا الهزل والعبث الإجرامى الذى أظهره رئيس أمريكى آخر هو جورج دبليو بوش، فرغم أن هذا الأخير سكنَ البيت الأبيض وهو لم يبلغ بعد عتبة سن الستين، فإنه بدا مولودا أصلا بعاهة عقلية خلقية جعلته غير مؤهل للعلم والتحصيل، ومن ثم وجدناه ينافس سلفه ريجان فى الجهل بل تفوق عليه فى العدوانية والتوحش، عندما حشد فى إدارته عصابة من السياسيين المنحرفين الهاربين من متحف مخلفات الإمبريالية والاستعمار ملؤوا الدنيا عربدة وقتلا وإجراما.
على كل حال أظن أنه لا داعى للخوف على أمريكا من المخرفين، فمقابل نسبة الـ٧٥٪ من المواطنين الذين يصابون بالـ«ألزهايمر» بعد عبور حاجز سن الخمسين مباشرة، هناك فى الولايات المتحدة وباقى بلدان الغرب نسبة مماثلة على الأقل من المناصب العليا يتولاها شباب ما زالوا بعيدين عن عمر التخريف.. عقبال بلادنا.
وبمناسبة بلادنا، فإننا نصارع الآن عدوا («جماعة الشر» وقطعان حلفائها الإرهابيين) يكاد يكون مثالا أو عينة نموذجية من تلك السبيكة النادرة التى يختلط فيها الخرف والعطب العقلى بنزعة التوحش والإجرام، لكنى متأكد أن الانتصار على هذا العدو واستئصال شأفته المسمومة من بدن مجتمعنا تماما ونهائيا، أمر حتمى وقريب جدا.. ليس فقط لكل الأسباب التى كتبتها أو قلتها أنا وغيرى بدل المرة ألف مرة من قبل، وإنما أيضا لأننى اكتشفت سببا جديدا فى ثنايا تقرير خبرى بثته أول من أمس إحدى وكالات الأنباء العالمية، يحكى عن طفل بريطانى صغير يدعى «جيرز باكستون» مصاب بداء نادر وخطير يجعله طول الوقت جائعا، ولا يشبع أبدا لذلك فقد لاحظ والداه أنه لا يكفّ عن الأكل لحظة واحدة ويلتهم أى شىء تطاله يداه من دون أن تكون له أى قدرة على التوقف!!
الأطباء الذين فحصوا الطفل قالوا إن حالته على ندرتها الشديدة معروفة ومسجلة فى المراجع العلمية تحت اسم متلازمة «برادر ويلى»، وهى تصيب أطفالا قلائل جدا قبل أن يبلغوا السادسة من عمرهم، ولا تتوقف أعراض هذا الداء عند الشراهة الواصلة حد السعار، ولكن يصاحبها أيضا بطء شديد (أو ربما توقف تام) فى النمو البدنى والعاطفى والعقلى.
وحسب التقرير الخبرى المذكور، فإن أم هذا الطفل المسكين هتفت وهى حزينة ملتاعة قائلة: «أخشى أن صغيرى جيرز إذا بقى هكذا سيأكل نفسه بسرعة ويموت».. أنا كذلك متأكد أن جماعة الشر من فرط سعارها وجنانها الرسمى وإجرامها تبتلع الآن جثتها وتأكل بنفسها جيفتها المقرفة!!
صباح الفل.
(ينشر للمرة الثانية)