بحثت طويلًا عن تقارير تلك المنظمة، التى صنعتها تمويلات، تحرك اتجاهاتها، وتوجه نظرتها إلى الأمور، وتحدد تقاريرها وتوجهاتها، والمعروفة باسم جذاب رنان، وهو «هيومان رايتس»، أى «حقوق الإنسان».. بحثت طويلًا عن تقرير واحد كتبته، عن «داعش» ومجازره فى العراق.. أو عن حالات التطهير العرقى فى ليبيا، أو التدمير الوحشى لغزة، ولكن كل محاولاتى باءت بالفشل.
ربما لأن منظمة حقوق الإنسان، لا ترى أن ذبح المسيحيين وقتل الأكراد فى وحشية دموية إساءة إلى حقوق الإنسان؛ لأن التمويل الذى تتلقاه من التنظيمات المتطرفة جعلها تؤمن بأن ذبح الشيعة هو إراحة لهم من عذاب الدنيا، وقتل المسيحيين يدخلهم فى زمرة عصر الشهداء الثانى، وسحل الأكراد يجعل لهم وطنا فى مقابرهم، وقصف الأطفال والنساء والمدنيين فى غزة هو رد فعل طبيعى يستلزم أن يصرخ الفلسطينيون وهم راكعون «إحنا آسفين يا صلاح».. صلاح الإسرائيلى بالطبع!!
وما دام كل هذا طبيعيا، والأهم أنه لا الشيعة ولا المسيحيون العرب، ولا الأكراد ولا الفلسطينيون فى قائمة الممولين، فالطرف المموّل على حق، من منطلق المبدأ الشهير «الزبون دوما على حق».. هذا الحديث سيبدو نمطيا، وأشبه بصحفى ينافق النظام، ويدفن رأسه فى الرمال، ويحاول إغفال الحقيقة أو الالتفاف حولها، ولكن المتابع الجيد لكتاباتى ومواقفى سيدرك حتما أنه لا هذا ولا ذاك، ولكنه تحليل للتقرير، الذى لم يتبع المنهج العلمى لأى دراسة، ولم يحاول الاطلاع على ما تم تصويره، ولا على تحقيقات النيابة والشرطة والجهات الأمنية، ولم يشاهد الأفلام، التى هددت مصر بالحرق والخراب والدمار، والأهم أنه لم يستمع إلا لطرف واحد، وهو الطرف الممول، وصاحب المصلحة فى تصوير الأمر بصورة وحشية، للتأثير على الرأى العام العالمى.. والمثل العلمى يقول: «إدخال معلومة ناقصة أو فاسدة، يعنى الخروج بنتائج فاسدة».. وهذه ترجمة مهذبة جدا للمبدأ العلمى، لأن النص الأصلى هو «ادخل قمامة، تخرج قمامة».
وبناءً على هذا المبدأ العلمى، فتقرير «هيومان رايتس»، الذى اعتمد على معلومات فاسدة ناقصة، لا يمكن أن يوصف -علميا- إلا بأنه (قمامة).. وهذا ليس سبا ولكنه توصيف علمى بحت، بناء على القاعدة العلمية البحتة.
المشكلة أننا فى مصرنا، وبوسائل ونظم التعليم لدينا، لم يتم تدريبنا على المنهج العلمى للتفكير، وطبيعتنا الانفعالية الاندفاعية، جعلت عواطفنا دوما سابقة لعقولنا، حتى إننا نعادى صوت العقل دوما، ونعتبره محاولة للخداع والغش والتمويه!! بل إن البعض، إذا ما بدأ عقله يعمل، يستغفر ربه عز وجل، على أن الشيطان جعله يفكر، فى أن المؤمن (من وجهة نظره) منعدم العقل، متناسيا أن الله سبحانه وتعالى اصطفى دوما أولى الألباب، والقوم المتفكرين والذين يعقلون، ووجه إليهم آياته عز وجل، مما يؤكد أنه حتمًا يريد لعقولهم أن تعمل لا العكس.. ولاحظوا أن الخالق العزيز الحكيم، لم يوجه آياته إلى ذوى العلم، ولكن لذوى الألباب، فليس كل من يعرف العلم بقادر على فهمه واستيعابه وتحليله، وإلا لكان كل خريجى العلوم أحمد زويل.. وهذا ينطبق أيضا على الدين.