مع الأسف، هذه المرة ليست شائعة فلقد تأكد الخبر، مصطفى حسين هو زعيم الكاريكاتير فى مصر والعالم العربى، كان مصطفى مع توأمه الكاتب الكبير أحمد رجب معارضين تحت سقف الحكومة، يصلان إلى أقصى ما هو مسموح، لا شك أن الحكومة كانت تغضب أحيانا، لأن الهامش متغير، وبين الحين والآخر، كانت ريشة مصطفى وقلم رجب يصلان إلى نهاية الخط الأحمر.
فى مطلع التسعينيات وصلا إلى انتقاد رئيس الوزراء عاطف صدقى، وكان هذا بمقياس تلك السنوات فى الصحف القومية هو الجرأة بعينها، لأن انتقاد الوزير أو رئيس التليفزيون كان يعد من التابوهات.
لن نتناول مصطفى حسين سياسيا ولكن قوته الضاربة والاستثنائية هى فى الكاريكاتير الاجتماعى، الكحيت وعزيز بيه الأليت وفلاح كفر الهنادوة وعباس العرسة وعلى الكومندا وغيرها، موهبة مصطفى حسين كفنان تشكيلى تضعه على القمة بين فنانى هذا الجيل، ولكنه اختار أن يطوع ريشته إلى قانون الكاريكاتير، لا تستطيع وأنت تكتب عن مصطفى إلا وتجد أحمد رجب يُطل عليك فى كل لحظة، كان بينهما قبل بضع سنوات خصام دام قرابة عشرة أعوام وخسر القراء أجمل وأحلى وأجرأ وأصفى وأخف دم كاريكاتير ينشر فى كل الصحافة العربية.. مبادرة الصلح جاءت من أحمد رجب فى عيد الحب قبل نحو خمس سنوات، عندما اتصل بمصطفى حسين بعد أن ألمَّ به المرض سارع رجب بالذهاب إليه ولم يفارقه، سواء بالوجود بالمستشفى أو الاتصال حتى عاد سالمًا إلى صفحات الجريدة.. منذ بداية الخصام وهناك محاولات دائمة لكى تصفو الأجواء بينهما دون جدوى. أحمد رجب كان يرفض كل تلك المبادرات رغم تدخل عديد من أصدقاء الطرفين مثل عادل إمام، والراحل أنيس منصور وصلاح السعدنى، الوحيد الذى كانت له كلمة مسموعة لا ترد هو الكاتب الكبير الراحل مصطفى أمين وكان هو أيضا صاحب فكرة تلك الثنائية وكثيرًا ما كان يتدخل عندما يحتدم الخلاف، وبعد رحيله لعب الكاتب الكبير إبراهيم سعدة هذا الدور ثم «اتسع الخرق على الراتق» ولم يعد سعدة قادرًا على رأب الصدع بين الصديقين اللدودين.
هذا الثنائى بدا فى منتصف سبعينيات القرن الماضى العنوان الجذاب، سواء لـ«الأخبار» أو «أخبار اليوم»، ولكن مثل كل ثنائى ناجح يصبح بمثابة زواج على ورقة طلاق، حيث يبدأ كل طرف فى تلقى تساؤلات ليست فى معظمها بريئة، تريد أن تعرف من صاحب القسط الأكبر فى النجاح، وربما يتورط أحد الأطراف فى إجابة تغضب الآخر.. كان رجب يفكر ويكتب، ومصطفى يعبر بريشته المبدعة والنجاح اقتسمه الطرفان، ربما لعب البعض دورًا سلبيا ليشعل النيران أكثر إلا أنه وفى كل الأحوال دائمًا ما يحدث تشبع بين الطرفين، ثم يأتى الخصام الفنى، وفى العادة يترك جراحا تؤدى إلى خصام نفسى، ولكنهما تجاوزا كل شىء وعادا بناء على طلب الجماهير وصدق المشاعر؟
كل كتابات أحمد رجب فى المرحلة الأخيرة كانت دعوات لله، عز وجل، أن يمن بالشفاء على صديق العمر الذى تقاسم معه قمة النجاح، تلك الشخصيات الكاريكاتيرية كانت تبدو من فرط صدقها من دم ولحم نراها أو نرى ملامح قريبة منها فى الشارع، فتركت فى أعماقنا حياة واستلهمها الكثير من كتاب الدراما، إنه النجاح الاستثنائى الذى من الصعب تكراره.
سبق مصطفى حسين أسماء عديدة فى القامة والقيمة مثل سانتيس وصاروخان ورخا وعبد السميع وحجازى وصلاح جاهين وبهجت وزهدى والتونى وجمعة، وتعددت الأسماء اللامعة حتى وصلنا إلى آخر عنقود عمرو سليم، ولكن تظل رسومات مصطفى حسين هى النغمة الأكثر تداولا وجماهيرية فى الشارع.. كانت وستظل!