وصل الأمر إلى أن يطالب البعض بمحاكمة كل من تسوّل له نفسه ويقدم امرأة منحرفة أو فى طريقها للانحراف على الشاشة لأنه يهينها، ويتساءلون: ألم يجدوا نماذج أخرى؟ يطالب البعض خصوصا المؤسسات والمجالس القومية والأهلية النسائية صُناع الدراما المصرية بتقديم الصورة الإيجابية للمرأة، كلام جميل وكلام معقول لكن حاقول حاجة عنه.
هل يعنى ذلك أن نُبحر إلى الشاطئ الآخر ونقدم فقط وجها واحدا مثاليا وأن تختفى من الدراما المرأة القاتلة والمدمنة والعاهرة ونقتصر فقط على نماذج هدى شعراوى وسيزا نبراوى وسميرة موسى؟ سوف أفترض جدلا أن الشاشات على اتساعها امتلأت بالسيدات الفضليات فقط، هل الجمهور سيتحمل كل ذلك؟ الرواية والدراما تستهويهما أكثر الشخصية السلبية رجالا ونساء والمتفرج فى العادة يتابع باهتمام الأشرار وهذا يفسر لك لماذا يحظى نجوم الشر بشعبية طاغية فى العالم كله، ولا يمكن أن نتهم المبدع الذى يتناول الشخصية السلبية رجلا أو امرأة بأنه يسهم فى تدمير المجتمع.
أشهر قاتلتين فى تاريخنا المعاصر ريَّا وسكينة وهما أول من حُكم عليهما بالإعدام 1920 شاهدنا حياتهما قبل أكثر من ستين عاما فى فيلم كتب قصته السينمائية نجيب محفوظ وشارك مع المخرج صلاح أبو سيف فى السيناريو، بينما انفرد السيد بدير بالحوار، هل يجوز أن نتهم هؤلاء الكبار بالإساءة إلى صورة المرأة؟ هل لديكم شخصيات أبشع من ريَّا وسكينة والتى شاهدناهما حتى الآن فى ثلاثة أفلام سينمائية ومسرحية وبرنامج حمل نفس الاسم؟
الإحساس بأن الدراما أهانت المرأة أتفهمه، لو أن مسلسل مثل «سجن النسا» مثلا قدم كل النساء منحرفات وكل الرجال أتقياء نُصبح بالتأكيد بصدد جريمة منظمة ضد المرأة، ولكنك لو أمعنت التأمل لاكتشفت أن الذى عليه أن يغضب هم الرجال «إبراهيم» الخائن زوج غالية فى «سجن النسا» وكذلك زوج خالة دُرة القواد الذى يبيع بناته وفوق البيعة ابنة خالتهم.
المحاكمات الأخلاقية فى الدراما التى نعيشها الآن تقطع الخط الفاصل بين الأصل والصورة، تُحمل الدراما الكثير. لقد شاهدت كاتبنا الكبير محفوظ عبد الرحمن وهو يعلن غضبه قبل يومين فى ندوة عُقدت فى المجلس الأعلى للثقافة عن الدراما التاريخية، وخرج حتى عن حدود الندوة وإطارها، أما سر الغضب فهو المشهد الذى حرق فيه الابن أباه فى «ابن حلال»، أتفهم مشاعر كاتبنا الكبير وغضبه ولكن نحن بصدد شخصية غير سوية نفسيا، هكذا قدمه السيناريو الذى كتبه حسن دهشان، ولديه أيضا غضب دفين ضد الأب محمود الجندى، ويعتبره مسؤولا عن موت أمه حنان سليمان، حالة مَرَضيّة فى الدراما، حتى عند محاسبتها أمام القانون فى العادة لا يُصدر القاضى قرارا بالإعدام ولكن بإيداعه مستشفى الأمراض العقلية، قد تختلف مع الاختيار الدرامى عندما يحرق ابن أباه ولكن لا نعتبرها جريمة أخلاقية. هل تتذكرون «الحاج متولى» الذى انتفض بسببه العديد من المنظمات النسائية قبل عشر سنوات بدعوى أنه يحض على تعدد الزوجات وأنه سيؤدى إلى انهيار البيت المصرى بينما الناس ضحكت على ومع الحاج إلا أن المنظمات النسائية لم تتوقف منذ ذلك الحين عن اتهامه بإهانة المرأة؟
نقدم صورا إيجابية للمرأة، بالطبع هذا مطلوب، مسلسل «أم كلثوم» إخراج إنعام محمد على الذى كتبه محفوظ عبد الرحمن كان عملا فنيا جذابا ولا شك وقدم وجها مثاليا لسيدة الغناء العربى، محفوظ لم ينكر أن الوقائع التى من الممكن أن تهز صورتها قد استبعدها عامدا متعمدا، بينما الكاتب والمخرج نبيل المالح عندما كتب «أسمهان» الذى أخرجه شوقى الماجرى لم يجد بأسا من تقديم كل أخطائها وضعفها وسقطاتها الفنية والشخصية مثل إدمانها الخمور وعلاقتها المتعددة مع الرجال، وصفقاتها مع المخابرات. النساء لسن جميعا «ريا وسكينة» ولكنهن أيضا لسن جميعا هدى شعراوى وجان دارك!