أفلام «كوكب القرود» تحتل منذ أواخر الستينيات من القرن الماضى، مساحة واسعة فى السينما الأمريكية، وذلك منذ انطلاق فيلم تشارلتون هيستون «Planet Of The Apes» عام 1968، انتهاء بالعام الجارى، والذى شهد عرض النسخة الثالثة والجديدة من «كوكب القرود».
مساحات التناول تنوعت، ما بين الإنتاج الأول، وحتى إعادة الإنتاج فى 2001، فى الفيلم الذى يحمل نفس الاسم، وسلسلة أفلام «كوكب القرود» مأخوذة من الراوية الفرنسية التى تحمل عنوان «Monkey Planet» والتى صدرت عام 1963 للكاتب بيير بول، أما العمق فى عرض الفكرة فيُنسب إلى السلسلة الجديدة التى بدأت عام 2011 بفيلم «Rise Of The Planet Of The Apes».
ويحمل الجزء الثانى عنوان «Dawn Of The Planet Of The Apes»، يحتل مساحة زمنية لاحقة لأحداث الجزء الأول بعشر سنوات، حيث أصبح القرد «سيزار» أكثر حكمة، وصارت مدينته أكثر استقرارا وقوة، تحكمها القواعد التى وضعها، فى الوقت الذى تصارع فيه مجموعات صغيرة من البشر الفيروس الذى دمر كل شىء، فى محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والبحث عن الموارد التى ستحفظ مجتمعاتهم الصغيرة المعاد تكوينها، الصراع النابع من الاختلاف بدأ مع مجموعة من البشر الذين تمكنوا من النجاة، فقط لأنهم يحملون طفرات وراثية تقيهم من المرض، ويبدؤون فى استكشاف الغابة التى يسكنها سيزار وجماعته، ليصلوا إلى سد يمكنهم عن طريق إصلاحه من إعادة توليد الكهرباء اللازمة لتشغيل احتياجاتهم الأساسية، لكن يقف بينهم وبين هذا السد القرد سيزار ومعتقداته.
والبُعد الفلسفى هو الأكثر سيطرة على الجزء الجديد من «كوكب القرود»، حيث يقع الصراع بين مجتمعين مختلفين، يتميزان بعنصرية لا حدود لها، فسيزار لا يثق فى البشر ويرى الأفضلية للقرود التى استطاعت أن تطور من نفسها ومجتمعها، ودريفوس (جارى أولدمان) الذى ينظر إلى القرود بدونية ويرى الحل فى إبادتهم، وبينهما مالكوم (جايسون كلارك) الذى يحاول التوفيق بين وجهتى النظر وطرح إمكانية العيش بسلام.
والرموز التى يحملها الفيلم، يمكن إسقاطها على أى مجموعتين بينهما فروق، وترى كل منهما الأخرى فى صورة أدنى منها، دون البحث عن سُبل تمكنهم من العيش معا، أما الجمل الحوارية فى السيناريو الذى كتبه مارك بومباك فتخدم الفكرة ذاتها، وأحيانا مشاهد بأكملها.
وتعزيز فكرة التعادل فى التقدم الحضارى بين المجتمعين الوليدين وهدف كل منهما فى التطور والتقدم بشكل مختلف للحد الذى سيقود إلى الحرب بينهما، وهى قصة دائمة التكرار بين البشر أنفسهم باختلافاتهم الفكرية والاجتماعية سواء كانوا من دول أو طبقات اجتماعية مختلفة، ووقوع الصراع بين قرود استطاعت تحقيق طفرة جينية، وبشر أصابتهم نكبة الفيروس، منح السلسلة الجديدة تميزا وعامل جذب.
وجارى أولدمان بكل خبراته وقدراته على التنوع وتشكيل ملامحة وجسده، طوع الشخصية المكتوبة فى السيناريو، كما لم يستطع الهرب من تأثير شخصية جوردون فى ثلاثية كريستوفر نولن «Dark Knight»، أما شخصية درايفوس فتأتى بنفس المكياج تقريبا ونفس التعبيرات، ونفس الصرامة والرغبة المميتة فى الدفاع عن مجتمعه مهما كلف ذلك من دمار ودم. الجزء الثالث من سلسلة «كوكب القرود» يمكن اعتباره تمهيدا لما هو قادم فى الجزء الثالث، من وقوع حرب شرسة بين القرود والبشر، قد تقضى جذريا على أحد المجتمعين الناشئين، للسيطرة على الموارد والأرض، فالشمبانزى «كوبا» بدأها بمؤامرة ولم يستطع مالكوم أو سيزار منعها، فقط اضطرا إلى انتظار نتائجها وسيطرة أحدهما على مجريات الأمور، أما الإخراج المتميز للمعارك فى هذا الجزء فهو يمهد أيضًا لتنفيذ معارك أكبر وأوسع فى الجزء المقبل، مع التلميح بأن ميزان القوة الذى بدا متساويا فى البداية سيختل لصالح أحد الطرفين.