مبارك فشل فى ٣٠ سنة من حكم البلاد.. وأضاع فرصة عظيمة على الوطن بعد أن كان هناك إجماع عند توليه السلطة فى سبتمبر ١٩٨١ بعد اغتيال الرئيس السادات.. لكنه لم يكن على قدر المسؤولية الكبرى لبناء دولة عصرية.
وما فعله مبارك فى ٣٠ سنة من الحكم -حتى إن كانت من وجهة نظره إنجازات- سقط جميعها.
ولعل سنوات حكمه الأخيرة أظهرت كم كان استبداده وفساده وتعلقه بالسلطة على حساب الوطن.. بل وسعيه إلى مشروع التوريث بعد أن أصبح ابنه هو الحاكم الحقيقى بمساعدة والدته.
لقد همَّش مبارك كل القوى السياسية واستطاع أن يجعلها عاجزة بعد أن أدخل قياداتها حديقته.
وهمَّش الشعب بتزوير إرادة المواطنين من خلال انتخابات واستفتاءات مزوَّرة.
لقد تم خلال حكمه صعود الفاسدين والناهبين لخيرات البلاد والمنافقين والموالسين.
ولعل الناس لا تنسى مصائب عهده من تدمير فى المجتمع وإهمال قضايا الناس وانتشار الفساد.
ولعل الجميع يذكر الآن ما جرى من غرق المصريين فى العبَّارة فى أثناء هروبهم إلى الخارج، وحرقهم فى مسرح بنى سويف وقطار الصعيد.. وموتهم فى كارثة الدويقة.. وموت الآلاف فى حوادث الطرق.
ولعل الجميع لا ينسى خصخصة شركات القطاع العام وبيعها بأثمان بخسة وسرقة أموالها بإشراف ابنه وشلته من الوزراء ورجال الأعمال.
ولعل الجميع لا ينسى إهدار كرامة البلاد وضياع هيبتها ودورها الإقليمى وإهمال علاقات مصر بالدول الإفريقية بما فيها دول حوض النيل التى تتحكم فى شريان الحياة للبلاد.
ولا ينسى الجميع الأطعمة «المسرطنة» التى سببت الأمراض للمصريين.
ولا ينسى الجميع احتكار السلع لرجال أعماله وعلى رأسهم أحمد عز فى احتكار الحديد.
ولا ينسى الجميع القوانين سيئة السمعة التى كان يصدرها لصالح رجاله ومنافقيه.
ولا ينسى الجميع المادة ٧٦ من الدستور المعيبة والتى كانت تفتح طريقا مشبوهًا «دستوريًّا» لتوريث السلطة وكان مبارك يعتبر ذلك فتحا عظيما فى إنجازاته ومن حوله من موالسين بعد أن كان يرفض مطالب شعبية بتعديلات دستورية حقيقية.
ولا ينسى الجميع دور لجنة سياسات ابنه جمال للسيطرة على الواقع السياسى والاقتصادى وتخريب البلاد.
ولا ينسى الجميع دوره العظيم فى تصدير الغاز إلى إسرائيل فى وقت كان المصريون يحتاجون فيه إلى كل متر من هذا الغاز!!
ولا ينسى الجميع التعذيب الممنهج فى أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز وسجون مبارك والعادلى..
ولا ينسى الجميع إضاعته للمليارات على مشروعات فاشلة تحت دعوى إقامة مشروعات قومية كبرى!!
ولا ينسى الجميع الإهانة التى كان يتلقاها المصريون سواء فى الداخل من أجهزته الحكومية والأمنية أو فى الخارج بالإهمال وعدم اعتبارهم مواطنين.
ولا ينسى الجميع خضوعه لأمريكا وتنفيذ سياساتها -وربما لعب دور السمسار فى المنطقة- من أجل نيل الرضا الأمريكى على مشروع التوريث...
هكذا كان مبارك ولن يُسقط كل هذا خطابه الوداعى العاطفى فى دفاعه عن نفسه أمام المحكمة.
لقد استعاد نفس مفردات خطابه العاطفى الأول الذى ألقاه فى أوجّ ثورة ٢٥ يناير يوم ١ فبراير وتمسحه بشرف القوات المسلحة التى انسلخ عنها منذ سنوات طويلة!
لقد حاول أن يكون دفاعه سياسيا رغم أنه يحاكَم جنائيًّا.
لقد كان فاشلا ومستبدا.. ولو جرت محاكمته سياسيا على سنوات حكمه الثلاثين لكان هناك شىء آخر.
ولعل ما يجرى فى البلاد الآن من أزمات هو إرث السنوات الطويلة من حكم مبارك بما فى ذلك إرث الإخوان «الفاشل-والإرهابى».
لقد سار الإخوان على طريقة مبارك.. فكان الفشل.. فاستعاضوا عنه بالإرهاب.
لكن لن ينسى الناس ولن ينسى التاريخ فشل مبارك والإخوان فى بناء دولة عصرية والعمل لصالح الناس.