ما الذى يدفع أحمد حلمى إلى أن يضع على صفحته الإلكترونية بيانات كاذبة منسوبة إلى غرفة صناعة السينما، تؤكِّد أن فيلمه «صُنع فى مصر» لا يزال فى المركز الثانى فى دُنيا الإيرادات، متفوقًا على فيلم «الفيل الأزرق» بطولة كريم عبد العزيز.
كنت أتصوَّر أن اكتساح فيلم «الحرب العالمية الثالثة» للإيرادات واحتلاله المركز الأول فى أسبوع العيد هو الأَوْلى بإثارة مخاوفه، فهذا يعنى ببساطة تغيير شفرة ضحك الجمهور وأن ما قدمه حلمى لم يعد على موجة الناس، إنه مؤشِّر خطير ربما نعود إليه مجددًا لنحلل تلك الدلالة الرقمية وما تفرضه من تغيّرٍ ما فى ذائقة الناس، ولكن دعونا الآن نكمل الحديث عن حالة الهزيمة الرقمية التى يعيشها وفى نفس الوقت ينكرها حلمى.
ليس بعيدًا عن الأذهان أن عادل إمام فى التسعينيات كان يحرص على أن يضع بيانًا يوميا يتصدر حجرته بالمسرح، لمقارنة إيراداته بالأفلام الأخرى التى تنافسه، مؤكدًا أن الآخرين مثل نادية الجندى أو محمود عبد العزيز أو أحمد زكى، يأتى ترتيبهم بعده وبمسافة تجعله مطمئنًا فى الجلوس بمفرده على العرش.
الرقم هو الذى يحدِّد وبنسبة كبيرة توجهات شركات الإنتاج القادمة، سواء لهذا النجم أو للنوع الذى يفضّله الناس، من المؤكد مثلًا أن الثلاثى شيكو وأحمد فهمى وهشام ماجد بعد «الحرب العالمية» وبتلك الأرقام غير المسبوقة ستزداد أحقيتهم فى المطالبة بزيادة أجورهم وبفرض شروطهم الإنتاجية، الحفلات الأولى تملك تقديم عديد من الإجابات، بما تحمله من مؤشرات، وهى بالتأكيد ليست مطلقة تمامًا، إلا أنه ينبغى الإنصات إليها، الرقم قاسٍ جدا ويحتاج إلى قدرة من النجم فى التعامل على أرض الواقع مع دلالته، وإلا سيجد نفسه خارج إيقاع الزمن.
نجاح العمل الفنى الأخير هو الذى يدفع شركات الإنتاج للتعاقد مع النجم، وفقًا لما حقّقه من إيرادات سابقة، إلا أن الأمر لا يخلو بالتأكيد من قفزات، قد يرتفع أجر الفنان مرة واحدة إلى رقم لم يكن يحلم به، ثم يأتى فيلم آخر تنهار إيراداته فيعيش فى هذه الحالة كابوسا يهدده بفقدان أعز ما يملك!!
النجوم الكبار بالطبع يشعرون بحرج عندما يضطرون إلى تخفيض أجورهم، لأن هذا يعنى أن السوق لم تعد ترحّب بهم، وهذا يفسّر لك لماذا يحرصون دائمًا على تغذية الجرائد بأخبار عن أرقامهم المليونية، وبعد ذلك عندما تواجههم الضرائب يؤكدون أنها كلام جرائد، تسريب الرقم حتى ولو كان يحمل قدرًا من المبالغة يلعب دوره فى تسويق النجوم أمام الجماهير باعتباره دلالة على أنه لا يزال مطلوبًا وفى المركز الأول، بينما التعامل مع الأمر الواقع هو الذى يزيد من العمر الافتراضى للنجم.
كانت نصيحة مارلون براندو لجاك نيكلسون هى أن يعرف بالضبط ما الذى يساويه عند شركات الإنتاج، وبعد ذلك يخفّض من أجره قليلًا حتى تتسع أمامه الاختيارات الفنية، والحقيقة أن فى السينما المصرية نجمًا واحدًا فعل ما هو أكثر من ذلك، وهو محمود حميدة، الذى قال لى إن أغلب الأدوار التى أحبَّها قدَّمها مجانًا.. قلت له: والآن هل تفعل ذلك؟ أجابنى: أتحدَّث عن أفلامى قبل سبع سنوات، ويبقى حلمى هل وصلت إليه الرسالة التى أشارت إليها أرقام إيرادات أفلام العيد وهبطت به إلى المركز الثالث، إذا لم يدركها ويقرأها جيدًا وبدد طاقته فى نفيها والتأكيد أنه تفوّق على إيرادات كريم فى «الفيل» أو ياسمين فى «جوازة ميرى»، سوف يجد نفسه فى معركة لا تُحمد عقباها على المركز الخامس والأخير بينه وأمينة مطربة الحنطور، وعبد الباسط حمودة مطرب «أنا مش عارفنى»، بطلَى «عنتر وبيسة»، ليغنى حلمى بعدها «أنا مش عارفنى أنا تُهت منى ولا ده أنا»!!