بمناسبة اقتراب يوم الذكرى السنوية الأولى لفض بؤرة العنف والعفن والقتل الوحشى التى نصبتها عصابة الشر الإخوانية فى إشارة رابعة العدوية فى حى مدينة نصر بالقاهرة لمدة شهر ونصف الشهر، ولكى لا ننسى فقد قرر العبد الفقير إلى الله إنعاش ذاكرة القرَّاء الأعزاء اليوم وغدا، بشىء مما كان يجرى فى هذه البؤرة المسلحة القذرة (وشقيقتها الصغرى بميدان النهضة أمام جامعة القاهرة)، عبر إعادة نشر سطور مقالين كنت قد كتبتهما هنا خلال تلك الأيام السوداء، أولهما كان عنوانه «مجاذيب رابعة»، وقلت فيه: أبدأ باعتذار صريح للمجاذيب الغلابة الأصليين، هؤلاء البؤساء الطيبين المسالمين الذين تراهم وهم هائمون على وجوههم بهلاهيلهم وثيابهم الرثَّة فى الساحات والطرقات المجاورة لمساجد ومقامات أولياء الله الصالحين.
والاعتذار واجب لأن المجاذيب المعششين حاليا فى إشارة مرور «رابعة العدوية» بحى مدينة نصر، وإن كانوا يشاركون الطيبين الأصليين، أو ربما يتفوّقون عليهم فى الهوس والهبل وفقدان العقل، إلا أنهم يخالفونهم بل ويتناقضون معهم فى كل شىء آخر، إذ لا يمكن وصفهم مثلا بـ«الطيبة» والمسالمة، فالشر والسفالة والأذى الواصل حد الوحشية والإجرام المروّع، هو أوضح وأهم ما يميزهم، أما الرثاثة والبؤس فهما عند مجاذيب مرسى وعصابته الفاشية المدحورة، حاضرَين وظاهرَين بقوة غير أنهما لا يطالان الشكل والمظهر فحسب (عدا قادتهم المجرمين) وإنما يضربان بعمق فى الجوهر، ويصيبان العقول والضمائر والأخلاق والأرواح، فى مقتل.
وقد تشعر ولك كل الحق أن المجذوبين القاعدين على قلوب خلق الله فى هذه «البؤرة» التى تزداد عفنا وقذارة يوما بعد يوم، مساكين وقد يثيرون فى النفس شعورا بالشفقة أكثر من مشاعر الغضب والقرف، لكنها مسكنة الذل والطمع وتشى بنوع نادر من الفساد والعطب الدماغى الذى تفاقم واستفحل، بسبب الانحشار الطويل فى المغارات التنظيمية المظلمة، مما أحدث تشوها مريعا أصاب فطرتهم الإنسانية وعوج استواءها، أو سَحَقها وخرّبها تماما.
يعنى يا أخى، لا أنا ولا أنت ولا أى أحد فى هذه الدنيا الواسعة سمع عن «مجاذيب» غلابة روَّعوا الناس وعذَّبوهم وقتلوهم ومثَّلوا بجثثهم على النحو الذى تتواتر أخباره وتتكشّف وقائعه المشينة المروّعة هذه الأيام، فضلا عن أنك أكيد لم تسمع بمجذوب جاهَرَ علنًا بكراهية الوطن (راجع شعار «طز فى مصر واللى جابوا مصر»)، واستقوى على بنى بلده بالكفيل الأمريكى وأتباعه وخدمه المخلصين (من تركيا إلى قطر)، واستحضر من الجحيم شتى صنوف عصابات الخوارج وشذاذ الآفاق والإرهابيين، وما تيسّر من فرق القتل والتخريب الجوالة العابرة للأوطان والمتسكعة على عتبات كل أجهزة الاستخبارات.
باختصار، نحن أمام حالة «انجذاب» شريرة ونتنة تستوطن منطقة إشارة مرور «رابعة العدوية»، لكن شرورها وآثامها وعفنها يشع ويتسرب منها يوميا إلى طرقات وشوارع وساحات أخرى هنا وهناك فى صورة «عربدات ليلية» غالبا، بيد أن الصباحات وعندما تكون الشمس ساطعة وراقدة فى السماء، لا تخلو من شرور يبثّها مجاذيب أكثر أناقة وأشد أذىً من عصابات مخابيل الشوارع.. أقصد تلك الحفنة التعبانة التى هى خليط من «صراصير بيضاء» مقرفة وعواجيز التنظير للفاشية ممن تركوا ضمائرهم فى العراء حتى جفّت وماتت، فأدمنوا المخاتلة والكذب على النفس والناس، هؤلاء لا ينامون فى الطَّل وعلى الأرصفة كما يفعل «الربعاويون» المساكين فى عقولهم، وإنما ينامون الليل فى مخادعهم الدافئة الوثيرة، وفى الصباح يلوّثون عقول الناس بأكاذيب هابطة وعبيطة يقذفونها يوميا من زوايا بعض الصحف بغير كلل ولا ملل ولا مثقال ذرة من ضمير أو خجل.
هؤلاء المجاذيب المتأنقون رغم تهافتهم وتفاهتهم وثقل ظلهم الذى لا يُحتمل، صاروا هذه الأيام أكبر منبع للمسخرة والنكت السخيفة، مثل تلك التى أنفق فيها أحدهم نحو «كيلو» من حبر المطابع لكى يقنعنا أن ملايين المصريين الذين خرجوا يوم 30 يونيو إلى شوارع وساحات مصر من أقصاها إلى أدناها لكى يزيحوا كابوس «جماعة الشر»، ويكنسوا عارها وشنارها من على جبين الوطن، ليسوا ملايين ولا حاجة، وإنما الملايين فعلا هم هؤلاء المتلطّعون فى إشارة مرور رابعة العدوية، دعما للفاشية والخراب المستعجل.. ربنا يشفى!