ثانيا: الجهاد ضد الظالمين والفاسدين والمعتدين وضد من تمتلئ قلوبهم بالكراهية والتطرف والإرهاب لبنى البشر، وهذا النوع من الجهاد هو أيضا فرض عين على كل إنسان، من البلوغ حتى الوفاة، وقد أكده عديد من الآيات، ومنها قوله تعالى «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ» (البقرة آية 193) وقوله فى سورة (الأنعام 21) «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ» وكذا قوله عن الفاسدين «الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» (البقرة آية 27) وقوله «وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» (البقرة آية 60) وقوله «وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ» (البقرة 205) وقوله «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» (المائدة 32) وقوله «وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» (هود الآية 85) وقوله «وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ» (البقرة آية 190) وكذا (آل عمران 112، و159) و(المائدة آيات 2، و62، و87) وغيرها الكثير من الآيات التى تدعو إلى الجهاد ضد الظالمين والفاسدين والمعتدين وكل من تَمتلئ قلوبهم بالكراهية والإرهاب لبنى البشر.
ثالثًا: الجهاد الخاص بالرسول وصحابته لنشر الدعوة، وهذا النوع من الجهاد خاص بزمن الرسول وصحابته، وأُبيح فيه استخدام السلاح لنشر الدعوة وحسب ظروف العصر، ولا يجوز لإنسان أن يقوم مقام الرسول لتطبيق هذا النوع من الجهاد، لأن أحدًا لا يملك وكالة عن الله، ولأن الدعوة تمت وانتشرت، لذا جاءت الآيات الخاصة بهذا النوع من الجهاد بالسلاح تخاطب الرسول وصحابته فقط مثل سورة التوبة (آيات 12، و72، و88) وسورة (الفرقان آية 52) وسورة (التحريم آية 9).
الخلاصة: من كل ماسبق نستخلص أن الجهاد المفروض حاليا هو الجهاد باللسان وجهاد النفس والسعى إلى إعمار الأرض ونشر السلام، لأن زمن الجهاد بالسلاح قد انتهى بغياب الموكل فيه، ولأن الدعوة تمت وانتشرت، والجهاد المفروض حاليا هو الجهاد الأكبر، كما قال الرسول (ص) لصحابته عندما رجع من إحدى الغزوات، فقد قال رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس والسعى إلى الخيرات، وهو ما يعنى أن الجهاد بالسلاح، شرعًا قد انتهى زمنه، وأن من يسعى إلى ذلك هو إنسان معتد يموت موتة جاهلية، لأن الإنسان مُطالب بالدفاع عن نفسه لحظة الهجوم عليه، أما السعى والسفر للجهاد فهو نوع من الاعتداء، مَن يفعله آثمٌ، وأيضا من يفجر نفسه فى الغير، فهو لا يعتد ولا يرقى إلى مصاف الشهداء الذين ماتوا لحظة دفاع، ولم يكونوا مُعتدين.
الشيخ د.مصطفى راشد، عالم أزهرى مصرى وسفير السلام العالمى للأمم المتحدة
وعضو نقابة المحامين واتحاد الكُتاب الإفريقى الأسيوى.