ورد إلى موقعنا على الإنترنت سؤال الأخت ليلى من تونس، إذ تقول: إن أخاها هو العائل الوحيد لها ولأُمّها وأختها، ويريد أخوها أن يتركهن ويذهب للجهاد فى سبيل الله، حيث تم إقناعه من بعض الدعاة والمشايخ بأن الجهاد ومحاربة الأعداء ونيل الشهادة فرض إسلامى على كل مسلم، والسائلة تخشى على أُمّها المريضة من صدمة ترك أخيها لهن أو حدوث مكروه له، وتسأل قائلة: هل فعلًا فرض على كل مسلم أن يذهب للجهاد ومحاربة الأعداء؟ وللإجابة عن هذا السؤال، نقول:
بداية، بتوفيق من الله وإرشاده وسعيًا للحق ورضوانه وطلبًا للدعم من رُسله وأحبائه، نصلِّى ونسلِّم على كليم الله موسى، عليه السلام، وكل المحبة لكلمة الله المسيح له المجد فى الأعالى، وكل السلام والتسليم على نبى الإسلام محمد بن عبد الله، أيضًا نصلِّى ونسلِّم على سائر أنبياء الله، لا نفرِّق بين أحد منهم.. أما بعد، فالجهاد لغةً واصطلاحًا: مأخوذ من الْجَهْد أو الْجُهْد، وهو بذل الوسع، والعمل ببذل الطاقة تنفيذًا لوصايا الشارع الإلهى فى إعمار الكون، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى تقسيم أنواع الجِهَاد إلى تسعة، ومنهم من قال سبعة، ومنهم من قال أربعة، والرأى عندنا أن أنواع الجِهَاد ثلاثة، هى:
1- جِهَاد النفس والشيطان، 2- الجهاد ضد الظالمين والفاسدين والمعتدين، وضد مَن تمتلئ قلوبهم بالكراهية والتطرُّف والإرهاب لبنى البشر، 3- الجهاد الخاص بالرسول وصحابته لنشر الدعوة.. أولًا: جهاد النفس والشيطان، وهو الجهاد الذى يجب أن يبدأ به الإنسان، لأن جهاد النفس هو الحَصَانَة الأولى للإنسان من الوقوع فى الخطأ، وحماية لإيمانه من الجنوح والسقوط، فمن يُجاهد نَفسه والأفكار الشيطانية، لا يكذب، ولا يسرق، ولا يخون، ولا ينافق، ولا يكره، ولا يستخدم العنف، ولا يقتل، ويمتلئ قلبه بالمحبة ويسعى للسلام، وهذا النوع من الجهاد فرض عين على كل إنسان منذ البلوغ حتى الممات، لقوله تعالى «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون» سورة البقرة (44).. وقوله تعالى «واتقوا يومًا لا تجزى نفس عن نفس شيئًا ولا يُقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هُم ينصرون» سورة البقرة آية (48)، وقوله تعالى (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ثم توفّى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون» سورة البقرة آية (281)، وقوله تعالى «وما كان لنبى أن يَغل ومن يغلُل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون» سورة آل عمران آية (161)، وقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعًا فينبئكم بما كنتم تعملون» سورة المائدة آية (105)، وقوله تعالى «ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون» سورة الأنعام آية «164»، وغيرها عشرات الآيات.. أيضًا علينا أن نُجاهد الأفكار الشيطانية، التى تدعو للحروب والقتال والكراهية ونبذ الآخر، لقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا ادخلوا فى السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين» سورة البقرة آية (208)، وقوله تعالى «وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوًا مبينًا» سورة الإسراء آية (53)، وغيرها العديد من الآيات.