أميرة قطب9 اغسطس 2014 09:02 م
إذا كانت مهنة الرقص الشرقى ترتبط عادة فى أذهان الجمهور بالخلاعة والتحرر الأخلاقى، فإن كثيرًا من قصص الراقصات التى سمعناها فى الماضى تدل على أن هؤلاء «العوالم» يملكن حسًا وطنيًا عاليًا يظهر عند اللزوم، وفى وقت الأزمة تجدهم أشد جدية وحزمًا من أعتى الرجال، ولنا فى تحية كاريوكا أوضح مثال على ذلك.
وإذا كان لكل منا طريقته الخاصة فى التعبير عن حبه لمصر، سواء كانت هى الوطن الذى ينتمى إليه بالميلاد أو سواء كانت هى الوطن الثانى التى تجد فيها الترحيب والفرصة فى الحصول على لقمة العيش التى تسعى وراءها، فإن للراقصات بالتأكيد أسلوبهن الخاص فى التعبير عن الوطنية، بطريقة يصعب على غيرهن تقليدها.
المفاجأة التى تكررت مؤخرًا كانت قيام عدد من الراقصات بالتعبير عن حبهن لمصر بطريقتهن غير التقليدية، مما تسبب فى ردود فعل غاضبة على تلك التصرفات التى خرجت عفوية، فالبعض اتهمهن بإهانة الدولة، والبعض الآخر رأى أنها طريقة مبتذلة فى التعبير عن الحب لا تليق بكيان الدولة المهيب، الذى يفترض ألا يرتبط بالأجساد العارية أو الاحتفالات المتحررة.
آخر من تقمصت دورى «الراقصة والسياسى» كانت الفنانة الاستعراضية صافيناز، والتى قامت بتفصيل بدلة رقص خاصة بألوان علم مصر الثلاثة «الأحمر والأبيض والأسود» وارتدتها ورقصت بها فى إحدى حفلاتها خلال الأيام الماضية.
انقسم المجتمع حول هذا التصرف، ورأت الأغلبية أنه يمثل إهانة للبلد الذى تعيش به صافيناز، فالعلم المصرى الذى ارتبط بدماء وتضحيات الألوف يجب أن يبقى بعيدًا عن متناول الراقصات فى الملاهى الليلية، وعلى الفور قام أحد المحامين بتقديم بلاغ للنائب العام يتهمها فيه بإهانة مصر، وطالب بترحيلها عن البلاد، وهو الأمر الذى يبحثه المسئولون الآن.
نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى اختلفت آراؤهم بين المؤيد والمعارض لها، فبعضهم اعتبر أنها أرادت أن تعبر عن حبها للبلد بطريقتها الخاصة التى لا تملك غيرها، فهى فنانة أصبحت معروفة ومحبوبة بين الجماهير، ما فعلته حتى لو كان غير مناسب فقد تم بدون قصد سيئ، وبدون نية الإهانة أو الاستهانة.
صافيناز نفسها ردت على كل هذه الاتهامات بأنها لم تقصد إهانة البلد، ولم تعرف من الأساس أن الرقص بعلم مصر هو بمثابة إساءة للبلد الذى تعيش فيه، موضحة أنها تعتبر مصر وطنها الحقيقى حاليا، وتحبها أكثر من بلدها الأصلى أرمينيا.
مثال آخر على وطنية الراقصات جاء فى لحظة الإعلان عن فوز الرئيس عبدالفتاح السيسى فى انتخابات الرئاسة المصرية الأخيرة خرجت الفنانة فيفى عبده فى إحدى حلقات برنامجها «أحلى مسا» المذاع على قناة MBC مصر وأطلقت زغرودة طويلة جدًا أدهشت المشاهدين وكل من حولها فى الاستديو، معبرة بطريقتها الشعبية عن حبها وفرحتها بفوز السيسى.
أما الفنانة لوسى، فأعلنت منذ فترة أنها ستتبع سياسية جديدة فيما يتعلق بأجرها تضامنًا منها مع الظروف الصعبة التى تمر بها مصر فى سنين بعد الثورة، وبالفعل قامت لوسى بتخفيض أجرها للمشاركة فى مسرحة «عينى على اللى راح منى» التابعة لمسرح الدولة، وذلك للمساهمة فى محاولة لإحياء نشاط مسارح القطاع العام من جديد، لأنها تعتبر أن أقوى أسلحة الوطن فى قوته الناعمة، وخاصة الفنون التى يمكنها أن تنزع سلاح التطرف والإرهاب.
لوسى علقت فى إحدى لقاءاتها التليفزيونية على الحوادث المتتالية التى يواجها رجال الجيش والشرطة يوميًا بأنها تبكى على كل هؤلاء الشهداء، وأنها تفكر جديا فى اعتزال الرقص حدادًا على هذه الأرواح البريئة التى تنزف دماؤها يوميا فى خدمة الوطن، لكنها مضطرة للاستمرار فى عملها لأن أفراد فرقتها ملزمون منها، لديهم أسر وأرواح أخرى تحتاجهم للاستمرار فى الحياة.
من جهتها تعتبر سما المصرى من أشهر الفنانات اللواتى يعبرن عن آرائهن السياسية والفنية بطرق مبتكرة وجريئة، وكانت دائمًا لا تخشى استهداف الرموز والجماعات القوية مثل جماعة الإخوان المسلمين وهم فى عنفوان السلطة، ودخلت وحدها مع الجماعة فى سجال فنى مستمر بدون سند أو مساعدة وبسلاح الفن وحده، كانت خلاله تسخر باستمرار من رموز الجماعة ومن طريقتهم الفاشلة فى حكم البلاد، فكانت بطريقتها تعتبر أنها تخدم مصر بسلاح السخرية والنقد اللاذع، مما كان له تأثير لا يُنكر على حشد الشعب المصرى ضد جماعة الإخوان، وعلى تحطيم شعبية الجماعة بين الناس، لأنهم لم يحتلموا لسان الراقصة الطويل.