انتفضت وزيرة القوى العاملة والهجرة ناهد عشرى وطالبت بترحيل الراقصة تصوفينار جورجى ريان الشهيرة بصافيناز عن البلاد. القرار يستند فى جانب منه إلى أسباب تبدو للوهلة الأولى موضوعية مثل ارتدائها بدلة رقص على هيئة علم مصر بألوانه الثلاثة الأبيض والأحمر والأسود، الثانى أنها تعمل دون الحصول على التراخيص الخاصة بالعمالة الأجنبية، والثالث وهو أكثرها طرافة، حيث ربط بين قرار ترحيل الراقصة وإجراءات احترازية تتخذها الدولة لحفظ أمن الوطن نظرا إلى الظروف الحرجة التى تمر بها البلاد، هل ترحيلها سيؤدى إلى تهدئة النفوس فى الداخل والخارج واستقرار الأمن والأمان بربوع الوطن؟ إذن بلاها صافى.
ربما كانت بكثير من السذاجة قد استجابت لنصيحة أحدهم ورقصت ببدلة بها العلم دلالة على حبها لمصر، ربما كانت قد شاهدت البنات وهن يضعن على وجوهن وأظافرهن رسما لعلم مصر فأرادت تقليدهن، أو كان دافعها أنها رأت أغنية «بشرة خير» ووجدت أن الكل يرقص فرحا لمصر فقررت المشاركة «جت تكحلها فأعمتها»، فاعتذرت أكثر من مرة، الوزارة تؤكد أنها لم تحصل على تصريح بالعمل وهو إجراء تدارُكه ليس عسيرا، ولكن تبقى الدوافع الكامنة والمصالح الصغيرة، التى تُطل كثيرا برأسها، وهذا يفسر لك لماذا أكثر من جريدة كانت تحث الدولة بسرعة على إصدار قرار الترحيل، المؤكد أن الراقصة الأرمنية أثرت كثيرا بالسلب طبعا منذ أكثر من عام على رواج الرقص المحلى وسعر الراقصات اللاتى يحملن ماركة «صناعة مصرية» قد تضاءل بعد ظهورها فى لقطة واحدة العام الماضى فى فيلم «القشاش»، سوق العرض والطلب بات يضعها فى المركز الأول، وحتى يضمن المعترضون موافقة المجتمع على الترحيل يُصدّرون للناس رغبتهم فى حماية القيم الوطنية، لو كان ذلك صحيحا فأنا واثق أنها ستضحى بنفسها وترحل.
تعودنا أن نعزف على وتر ونردد نغمة بينما نقصد أخرى، الأغلبية بالطبع تعلن أنها مع ترحيل الراقصة ولكنها فى الوقت ذاته تتابعها، هل تتذكرون أفلامنا القديمة وهذا النداء الشهير «الغزيّة لازم ترحل»، بينما العمدة والغفير وصولا إلى شيخ البلد كانوا فى الحقيقة يطلبون ودها وحتى لا تفضحهم يصبحون هم أول من يشعل نيران الغضب.
يصدِّر البعض دائما للرأى العام إحساسا أننا نضرب بيد من حديد على كل ما هو ضد الأخلاق، وزيرة القوى العاملة تعلم أن رئيس الوزراء تُطربه مثل هذه القرارات وهو منذ أن صادر «حلاوة روح» وهو لا يتوقف عن الإعلان عن استعداده للعديد من الإجراءات المماثلة. منع الرقص هو إحدى لوحات التنشين، وفى كل العهود، حدث مثلا فى مطلع التسعينيات أن أصدر مسؤول فى التليفزيون قرارا يقضى بحذف كل الرقصات من أفلامنا وهذا يعنى أن 90% من الأفلام ستتعرض لمقص الرقيب، حتى أفلام ليلى مراد لا يخلو بعض أغانيها من وجود راقصات فى خلفية المشهد وغالبا أجنبيات، لم يستمر الأمر كثيرا وعادت الرقصات بعد بضعة أشهر إلى الأفلام، وقبلها أيضا فى السبعينيات هناك مَن كان يطلب حذف رقصات فوازير نيللى، وعندما وصلنا إلى محطة شريهان طالبوا أيضا بالمنع.
هل نحن حقا نعترض على الراقصة أم نُصدّر ذلك للرأى العام؟ فى الخمسينيات لم يستشعرا أى خجل -أتحدث عن الكاتبين الكبيرين إدوارد سعيد وصالح مرسى- وكتبا عن تحية كاريوكا. أتذكر أن المهرجان القومى أراد أن يحتفى بها ويكرمها فى أولى دوراته قبل 25 عاما ورشح ناقدا ومؤرخا كبيرا لتقديم كتاب عنها فرفض حتى لا يلتصق اسمه بها.
تريدون ترحيلها رحِّلوها، ولكن لا داعى للزج بشعار الحفاظ على الأخلاق الحميدة وحماية الأمن الوطنى والقومى لمصر.