حاولت العودة للنوم، أغلقت النافذة، سوَّيت الفراش، مددت ساقى، ووضعت رأسى بين وسادتَين.
يدخل بخطو خفيف حتى سريرى. - اصح يا إبراهيم، الساعة الثامنة إلا ربعًا. يخبرنى بأهم ما أذاعته لندن فى نشرتها الصباحية، يعد أوراقه وحقيبته، يُحَيِّى أُمى مداعبًا، يُقبِّلها ويناديها باسم مدلَّل. عودة أبى من المدرسة فى الظهيرة، حاملاً حقيبته فى كفِّه، يخرج منها الصحيفة ويقدّمها لى، بينما يسلِّم الحقيبة لأخى كى يدخلها غرفة نومه، يلقى «السلام عليكم» بطريقته الخاصة المؤكّدة حروف الكاف والميم. جلوسه مقرفصًا أمام شجرة الليمون يرويها بالخرطوم الأزرق وقد أمسك المصحف بيمينه يتلو القرآن بصوت مسموع، بينما يسوِّى الأسوار الطينية المحيطة بالجذور. بحثه عن «مختار الصحاح» لكى يكشف عن أصل كلمة، تَهَلُّله عندما يدرك صحة رأيه وسلامة مشورته، ضحكه المنطلق الذى يداريه بأصابعه فوق شفتيه، عند التقاطه مغزى مشهد ضاحك فى مسرحية حديثة، سؤاله عن تطورات مسلسل يتابعه لم يرَ حلقته الفائتة. تأنيبه لأحد الأقارب أغضب زوجته، سؤاله عن راتبه وأين ينفقه، لومه لشرب السجائر. محاولته إصلاح عطب صنبور الحمام المفاجئ، استفهامه عن آخر مَن استعار فأسه الصغيرة من الجيران، قراءة سورة «يس» من أجل توفيق أختى فى امتحان دراسى صعب، شكوته من حمق أخى وشقاوته وبطء فهمه لدروس النحو. دخوله لمكتبى يسألنى بخجل وتردّد كريم عمّا أكتب.. خروجه من حجرة الصالون ليأخذ صينية الشاى لضيفه، يتجوَّل بنظراته فى الصالة، يهم بالعودة للحجرة، تعاتبه أُمى لعدم رؤيته أحد أقاربنا القادم من القرية، يصيح فى انتباه متأخِّر: والله يا مرحب.. يا مرحب. إيقاظه لى من أجل صلاة العيد، وإلحاحه فى قيامى لكى ألحق بالفجر، ومطالبتى بحلق لحيتى النابتة، دأبه ليلة السبت فى كى بذلته، واختيار الجورب والقميص، تلميع الحذاء الذى لا يلوّثه أبدًا، كتابة قوائم الطلاب بخط يده، وضحكه من لوم أُمّى على أدائه لمهام ليست من مقامه. إجابته على الهاتف: - مَن؟ يضع السماعة.. ينادينى. - إبراهيم.. كلِّم. - مَن يا أبى؟ - لا أعرف.. يِظْهَر عمرو.