وماذا إذا نجحت مرافعات «شيحة» فى الإفراج عن مبارك؟
هل يمكنه العودة إلى الحياة ويسير فى الشارع ويواجه الناس؟
هل استطاع زكريا عزمى وفتحى سرور وصفوت الشريف العودة إلى الحياة.. رغم أنهم حصلوا من المحكمة على البراءة؟
مرافعات شيحة تخص شيحة ومن دفع له الأموال ليكمل استعراضه ومَن بثَّها.. واستضافه ليكمل الحملة الدعائية الموجهة.
ولست مهتمًّا الآن بهذه المرافعات ولا بشيحة وغيره من صناع استعراضات فات زمانها وولّت أيامها.
كما أننى لست مهتما بتعرية تاريخ شيحة نفسه ولا بإظهار تناقضات مواقفه من ثورة ٢٥ يناير ولا بملاعيبه من سقوط التمساح مبارك إلى محاولة حجز مكان للتمساح فى حديقة حيوان مهجورة..
ولا أنوى استخدام الحجج القانونية التى تجعل مرافعات شيحة ضد الدستور وشرعية النظام السياسية هما الحاكم.
اهتمامى بخطة فرض الرواية المفبركة عن الثورة.. هل تنجح؟ هل انتصرت رواية الساقطين مع مبارك عن سقوطهم؟
هذا ما أريد التفكير فيه لا مجرد اليأس و الإحباط (وهو المراد أصلا من نشر الرواية وبث الرعب من التفكير فى التغيير أصلا).
وفى سبيل التفكير أذكِّر أولا بأن الشعب بكى على الملك فاروق.
انتشر الخوف وقت رحيله من تحول مصر إلى ملعب لفوضى الإخوان والشيوعيين.
و«الشعب» الذى قيل وقتها إنه رحَّب بالثوار لم يكن كل الشعب المصرى.
بقية الشعب ظلت تحت تأثير تربية عاطفية تطلب السلامة (والاستقرار) الذى يعنى: الرضا بالقدر وعدم الخروج على النظام.. والقبول بالظلم حتى يأتى الفرج.
غالبًا هذا ما حدث بعد يوليو ١٩٥٢.
وهو ما يحدث منذ ١١ فبراير ٢٠١١.
الفارق الكبير هنا: أن الضباط الأحرار اقتنصوا السلطة، وأزاحوا الملك، وهنا اختبأت كل عناصر الثورة المضادة فى الجحور ولعبت دون قوة دافعة من أصحاب القرار.
لكن بعد سقوط مبارك استمرت شبكته فى السراديب، بينهم رجال أعمال وموظفون وضباط.. وهؤلاء خرجوا من السراديب وأقاموا قنوات تليفزيون وسوقا لتجارة التسجيلات التى تمت منذ «٢٥ يناير» إلى لحظة اقتحام مبنى جهاز أمن الدولة.
هذه الشبكات تنشر رواياتها المضللة، لا لكى يخرج مبارك من السجن ولكن ليعودوا عبر خروجه إلى الظهور العلنى.. ويرسخوا رواياتهم السقيمة البائسة عن المؤامرة التى وقعت يوم ٢٥ يناير.
محاكمة مبارك ابتُذلت ولم تعد محاكمة القرن.. لأنها محاكمة على ما حدث فى ١٨ يومًا لا على ٣٠ سنة من الإجرام المنظم وصل فيه البلد إلى مرحلة «التخويخ» وتحكمت فيها طبقات من عفن جعلنا مثل شعوب منقرضة نعيش على فتات مرحلة الاستعمار.
جرائم مبارك فى كل شبر من مصر، من التعليم إلى الصحة إلى الأمن والدبلوماسية.. ولن تنتهى تلك الجرائم فى ترسيخ الفساد كأداة إنتاج وحيدة، وتكريس مبادئ «ليه تشتغل كتير لما ممكن تسرق وتنهب وتعيش مرتاح بقليل من الفهلوة والقدرة على الدخول فى سراديب شركات المصالح»..
مبارك بدأ موظفا يرتدى بدلة من إنتاج مصانع المحلة وانتهى طاووسا بائسا يرتدى بدلة مكتوبا اسمه بطول خطوط نسيجها... وبين مشهد البداية والنهاية سنوات طويلة تم فيها تدمير كل مقومات الدولة التى بناها الاستعمار ليستفيد منها ومن قوتها.. ثم حاول الضباط الأحرار النهوض بها فى طريق آخر.. وأتى مبارك ليحولها إلى أطلال دولة يتمكن هو بحس الموظف «القرارى» من السيطرة عليها.. عبر شبكة بدأت مجموعة مصالح وانتهت مافيا كاملة الأوصاف.