كيف يحسبها النجم قبل تحديد مواقفه السياسية؟ بالتأكيد هو مع النظام القائم ظالما أو مظلوما، ملحوظة أتحدث بالطبع عن الأغلبية. فى القضايا الداخلية يعلو صوت النجم مؤيدًا للدولة، فهو معها قلبا وقالبا، صوتا وصورة، الجهر بالموافقة وإعلان الولاء بمناسبة ودون مناسبة هو القاعدة، لكن ماذا عندما تصبح القضية خارج حدود الوطن، عندما نصل إلى غزة كيف يحسبونها، هل الدماء التى تسيل والأرواح التى تُزهق والأطفال الذين يمثلون بجثثهم تحتاج إلى ضوء أخضر من الدولة حتى يحددوا مواقفهم ويصرخوا ضد الهمجية الإسرائيلية؟
مع الأسف الشديد، نعم تحتاج إلى دولة تدفعهم إلى الجهر بإدانة المذابح وإيقاف النزيف، سألونى فى تليفزيون الـ«بى بى سى» عن سر تلك السلبية أو إن شئت الدقة «برود وبلادة» المشاعر التى واجه بها كُثر من الفنانين العرب آلة القتل الصهيونية؟ قلت إنهم ينتظرون البوصلة أو الإشارة بالهجوم أو بالطناش، ولم تأت بعد، ولهذا كل منهم إيثارًا للسلامة اختار الانتظار على شاطئ الصمت.
الدولة المصرية، على سبيل المثال، فى خصومة حادة ومعلنة مع حماس، والاتهام هو أن كل ما يجرى فى سيناء من إرهاب وتطرف واغتيالات وراءه هذا التنظيم المعادى لنا، وهو فى ضمير أغلبية المصريين يعنى ظهيرًا للإخوان الذين أسقطتهم الإرادة المصرية فى 30 يونيو، كل هذه المؤثرات تلعب دورها ليس فقط فى تقييد موقف الفنان، وتجعله يفكر ألف مرة قبل الجهر بصوته، لكن يدخل أيضا فى المعادلة الرأى العام، كيف يرى رجل الشارع ما يجرى على بُعد خطوات من حدوده؟ هناك تشويش وضبابية فى الصورة، قطاع من المصريين لديه قناعة أن الوقوف أو حتى التعاطف مع غزة قد يعنى تأييدًا لحماس بكل التداعيات السلبية لاسم «حماس»، تلك هى المعضلة، وعلى المقابل نتجاهل أن هناك دماء عربية تراق تتجاوز حماس ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، ننسى أننا أولا بصدد موقف إنسانى وليس سياسيا، الفنانون فى العالم لا يحسبونها سياسيا، لكن يطلون على الموقف بزاوية إنسانية، بينلوبى كروز أو أنجلينا جولى أو المودوفار وغيرهم، لا يضعون فى المعادلة مصالحهم رغم علمهم أن الموقف المؤيد للشعب الفلسطينى قد يغضب الشركات الكبرى فى هوليوود، التى يسيطر على أغلبها اليهود، لكنهم ينصتون أولا إلى ضمائرهم ومشاعرهم. الفنان المصرى تحديدًا، لا أزال أتحدث عن الأغلبية، يحسبها أولا: هل هذا يرضى السلطة القائمة؟ يبحثون عما تريده الدولة أو ما يعتقدون أن الدولة تريده، تلك هى الدوافع الأساسية فى تحديد بوصلة التوجه ولا شىء آخر. الموقف المصرى السياسى ودرجة الغضب وشدته وأسلوب المواجهة هى التى يسعى الفنان لكى يلتقطها، إنها الشفرة التى يتم إرسالها، وعليه أن يحدد هو الجرعة المطلوبة، وهم ظنوا، وبعض الظن إثم، أن المطلوب هو الصمت.
هناك أيضا مؤشر لا يمكن إغفاله، وهو الوعى السياسى، مصر دفعت الكثير من أجل تحرير فلسطين أم من أجل أمنها القومى؟ فى 48 رددنا بشعر على محمود طه وموسيقى محمد عبد الوهاب «أخى جاوز الظالمون المدى وحق الجهاد وحق الفدا» ودخلنا المعركة لتحرير فلسطين، وعشنا من بعدها النكبة، لكن فى 56 و67 و73، مصر كانت تدافع عن أراضيها ضد المعتدى الإسرائيلى، الشارع دائما تختلط فى ذهنه تلك الحقائق التاريخية، الإعلام صدّر الكثير من المعلومات المغلوطة فصارت مع مرور الزمن هى الحقيقة، نواجه عدوًّا يغتال الحياة ويقتل الأبرياء، ورغم ذلك فإن نجومنا أول من يصمتون وآخر من يشعرون!