وبمناقشة هذه الأدلة بموضوعية بغية الوصول إلى الحقيقة التى تتوه عن البعض بحسن نية، نقول بكل تأكيد وجزم إن جميع الأحاديث التى وردت كدليل لوجود عذاب القبر هى أحاديث مقطوعة السند وغير متواترة أى غير صحيحة، رغم ورود بعضها فى مسلم والبخارى (ونستطيع مناظرة مَن يقول غير ذلك)، مما يعنى أن هذه الأحاديث لا تصلح أن تكون سندا لحكم شرعى، وهو أمر لا جدال فيه ومتفق عليه، أما الآيات القرآنية التى أتوا بها فقد جانبهم الصواب فى فهمها وتفسيرها، لأن الآيات تتكلّم عن عذاب الآخرة، والتأويل الضمنى الذى يذهبون إليه لا يصلح سندا، فى ظل وجود آيات تنفى ذلك واضحة الدلالة، والقرآن الكريم هو مَن يردّ على تفسيرهم الضمنى بنصوص كما قلنا قاطعة واضحة الدلالة، مُنكرها يخرج عن الملّة، وهو قوله تعالى: «وما أنت بمُسمع مَن فى القبور» (فاطر: 22)، والخطاب هنا موجَّه إلى النبى، وكذلك قوله تعالى: «لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى» (الدخان: 56)، وقوله تعالى: «وإنما توفون أجوركم يوم القيامة» (آل عمران: 185)، أى لا يوجد يومان للحساب، وقوله: «يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة» (إبراهيم: 27)، فالقول الثابت للأحياء فى الدنيا أو يوم القيامة، وليس هناك دليل على أنه فى القبر، وهذه الآيات فى جملتها تنفى وجود عذاب فى القبر، أيضا النبى صلى الله عليه وسلم بَشَر، وعذاب القبر غيب لم يطلع عليه بشر، فكيف يُخبر النبى أصحابه بهذه الأمور، ولو كان عذاب القبر له أصل لرأى النباش فى القبور آثارا للعقاب على الميت، فيشاهد عليه أثر الضرب أو ضم الأضلاع واختلافها، وكيف يكون هناك ميتان بجوار بعضهما أحدهما يعذب والآخر ينعّم؟ وهل كل ميت يُعذّب، أم أن العذاب واقع على المقبور فقط؟ لأن هناك مَن يموت فى الجو والبحر، وكيف تتسع الأرض وتضيق وقد أخبر الله أنها هامدة؟ فما القبر إلا موضع ليوارى سوأة الميت، كما أن تأليف واختلاق فكرة الثعبان الأقرع بالقبر لإرهاب الناس، دون أن يكون لهذا الأقرع أى أساس أو دليل قرآنى أو سُنّى، لهو أكبر دليل على رغبة هذا الفريق فى إرهاب الناس ولو بالكذب على الله، لذا ندعو الله أن يهديهم إلى الحق والرحمة والسلام التى غابت عنهم، كما أن فكرة عذاب القبر هى فى الأصل عقيدة وفكرة فرعونية عاشت آلاف السنين، ثم ما لبثت أن رجعت إلى الفكر الإسلامى متخفية فى أحاديث نبوية مختلقة وتفسيرات غير صحيحة لبعض آيات القرآن الكريم.. هذا وعلى الله قصدُ السبيل وابتغاء رِضَاه.
الشيخ د.مصطفى راشد عالم أزهرى مصرى وسفير السلام العالمى للأمم المتحدة وعضو نقابة المحامين واتحاد الكُتاب الإفريقى الآسيوى