
يُعتبر شاعر الدانمارك الوطني، ورغم كونه كتب في مختلف حقول الأدب كالرواية، والنص المسرحي، والشعر غير أن موهبته تجلت، أكثر ما تجلت، في مجال الحكايات الخرافية التي برع في كتابتها ليحتل مكانة بارزة في هذا المجال على مستوى العالم، فحكاياته تأخذ من ناحية الشكل قالب الحكاية الشعبية، وبعضها ينطلق من القصص الخرافية التي سمعها عندما كان صغيراً، كما أن حكاياته، رغم بساطتها، تحمل مستويات عدة في بنائها.
ويروى أنه أسعد الكثير من الأطفال في حياته في كل أرجاء المعمورة، وقد وجد الحفاوة والتقدير من الأسرة الملكية في الدنمارك. نقلت أشعاره وحكاياته إلى أكثر من 150 لغة. استوحي من حكاياته أفلام ومسرحيات، وعروض باليه، ورسوم متحركة. ومن أشهر قصصه بائعة الكبريت وجندي الصفيح وملكة الثلج والحورية الصغيرة وعقلة الاصبع فرخ البط القبيح.
لأسرة متواضعة الحال حيث كان والده يعمل صانع أحذية بينما كانت والدته تعمل في تنظيف ملابس الأغنياء في المنازل الكبيرة، وكانت له شقيقة واحدة من والدته فقط. توفى والده عام 1816 م وتوفيت والدته في إحدى دور رعاية المسنين عام 1833.
عاش أندرسن في كنف أسرة فقيرة، فعانى، هو المرهف الإحساس، من شظف العيش، لكنه تعلق بالفنون منذ صغره، فأقام في ركن من الغرفة الوحيدة لأسرته مسرحا للدمى، وراح يمضي وقته في محاكاة دماه وتحريكها متخذا منها شخصيات لمسرحه الخيالي الصغير، وكان يتابع بشغف عروض مسرحيات شكسبير وسوفوكليس وسواهما من عباقرة المسرح التي كانت تقام على المسرح الملكي في كوبنهاغن.
وشأنه شأن الكثير من العباقرة فقد كان أندرسن في المدرسة، بليداً، ثقيل الفهم، اخرق، يرتبك في حركاته، يدلف بين الناس بقامته الطويلة يثير سخريتهم لمجرد رغبته في أن يكون ممثلا، لكنه ما لبث ان هجر المسرح، وتحول اهتمامه إلى الحكايات الشعبية والخرافات والقصص، وكان هذا الشغف والاهتمام يزدادان مع إصغائه إلى الروايات والقصص التي كان يسمعها من والدته التي استطاعت بأسلوبها الشفاهي البسيط أن تلهب خيال الطفل الغض، فانطبعت الخرافات كالحقيقة في وعيه، وكوشم جميل في ذاكرته البيضاء، وراح يؤمن بأن عالمه الخرافي أجمل من عالمه الواقعي الراكد.
لم يكن طريق الشهرة ممهدا لهذا الفتى الموهوب، بل لاقى الكثير من الصعوبات والعقبات، وحين سئل أندرسن، ذات مرة، عن سيرة حياته، أجاب: «اقرؤوا حكاية فرخ البط القبيح»! وهي حكاية تتحدث عن قصة النجاح التي لا تتحقق إلا بعد مشقة ومعاناة، فالحكاية تتحدث عن فرخ بط قبيح لم يلق المودة من شقيقاته البطات، فكان منبوذا نظرا لقبحه وضخامة حجمه، فراح يتنقل من مكان إلى آخر بحثا عمن يهتم به ويقدره، لكنه كان يعاني من نظرات الازدراء من جميع الطيور والحيوانات، حتى من المقربين له، إلى أن كبر واكتشف أنه بجعة جميلة بيضاء وليس فرخ بط قبيحاً، فتباهى بنفسه بين أترابه كبجع جميل يثير الإعجاب.
والواقع أن سيرة أندرسن تشبه إلى حد بعيد سيرة فرخ البط هذا، وقد كتب أحد النقاد معلقا: «لكل مبدع ولكل شاعر حكاية فرخ البط القبيح الخاصة به»، مضيفا: «إن هذه الحكاية هي العمل الإبداعي الذي يكشف فيه أندرسن عن معاناته، وأحلامه، عن نجاحاته الأولى المغمسة بمرارة الإخفاقات، وعن مكنوناته...».
عرف عن هانز ولعه بالأدب والفنون فقام والده على الرغم من بساطته من تقريبه من الأدب وأخذه إلي المسرح على قدر المستطاع كما قرأ عليه عدد من المسرحيات وعلى الرغم من تواضع حال والده إلا أنه كان يهتم بالثقافة والأدب، كما روت له والدته العديد من قصص الأساطير والخرافات القديمة والتي تأثر بها هانز كثيراً حيث خلفت لديه رصيد من الحكايات التراثية القديمة.
أظهر الملك فريدريك السادس اهتمام شخصي به ودفع جل مصاريف تعليمه أضطر هانس كريستان على ولوج باب العمل ليأمن لنفسه قوت يومه.أمتهن الحياكة. وعند بلوغه سن الرابعة عشرة انتقل أندرسن إلى كوبنهاجن بحثا عن وظيفة كممثل مسرحي. كان له صوت جميل في طبقة سوبرانو فنجح في الالتحاق بالمسرح الملكي الدنماركي. إلا أنه لم يستمر فيه كثيرا حيث احتبس صوته بعد برهه. وكان أحد زملائه في المسرح يصفه بالشاعر فبدأ أندرسن بأخذ هذا الأمر جديا والاهتمام بالكتابة.
التقى أندرسن بالصدفة بملك الدنمارك جوناس كولن الذي أبدى اهتماما بالفتى الغريب وألحقه بمدرسة ابتدائية في سلاجلسه ودفع مصاريف الدراسة عنه. كان أندرسن قد نشر أولى رواياته حتى قبل أن يلتحق بالمدرسة الابتدائية، وهي شبح قبر بالناتوك، عام 1822. وبالرغم من كونه طالبا بليدا ومتأخرا إلى أنه تابع دراسته في سلاجنسه وفي مدرسة في إلسينور حتى 1827، وهي فترة قال عنها فيما بعد أنها كانت أحلك وأمر سنوات حياته، حيث كان اضطر للعيش في منزل ناظر المدرسة، الذي أساء معاملته بحجة "صقل شخصيته"، كما كان الشخص الغريب بين زملائه الطلبة حيث كان أكبر سنا من أغلبهم.عانى أيضا من عسر القراءة وقد ذكر أن هذه الحالة أدخلته في مرحلة اكتئاب.