الشهرة أيقظت خيالات أخرى عن حياة المشاهير (اللهو والغنى الفاحش والتطرف فى الملذات). تحولت الجريمة إلى حديث الناس، بجانبها خفتت أحداث مثل حصار غزة أو إقرار قانون الجامعات الأهلية أو وضع ضوابط جديدة على استجوابات النواب فى مجلس الشعب.
المجتمع مشغول بجريمة الحى الهادئ. الانتقام جذاب والتلصص على عالم كامل الإثارة: فتاتان بمفرديهما فى بيت وطعنات لها نزعة انتقامية، وخيال تغويه البحث عن فضيحة.
خرجت الحكايات تفتش فى السيرة الشخصية والعلاقات العاطفية والبريد الإلكترونى لا لتجد القاتل، ولكن لتدين الضحية، من إدمان المخدرات إلى الانحراف الجنسى، وصولاً إلى الانتقام العاطفى. لعب الخيال لعبة غريبة للقبض على الضحية ووضعها فى سجن أبدى من شائعات لا تكتفى بقتلها، وإنما تقتلها أكثر من مرة بحكايات من صنع خيال مريض مستوحى من أفلام درجة عاشرة ومن مواقع جنسية تفتقر إلى الذوق ولمعان الأفكار.
اجتاحت وسائل الإعلام قسوة تجاه الضحية. كتبت مقالات تعطى دروسا للأب الغائب عن ابنته المقيمة بمفردها بجوار مقرّ الجامعة. موعظة سابقة التجهيز وخيال كسول اعتمد على النموذج السهل فى تصوّر أن القتل كان نتيجة طبيعية لانحراف القتيلتين. كيف عرف أصحاب مدرسة الأخلاق الرشيدة أن القتيلة حوّلت بيتها إلى قاعة حفلات للجنس الجماعى والمخدرات؟ هل ليسهل إثبات أنها تستحق القتل؟ لماذا التشفّى الخفىّ من فتاة تعيش بمفردها وهى شجاعة نادرة فى مجتمع مضطرب بين ثقافة محافظة ومدنية حديثة؟
الإعلام حضّر جمهور الجريمة لنهاية من نوع مثير: كشف سياسى (ابن أحد المسؤولين الكبار) أو أخلاقى (انتقام عاطفى من فاتنة متعددة العشاق) أو جنائى (شبكات أبناء الأثرياء والمشاهير لترويج المخدرات).
حجزت الجماهير مقعدها وحبست أنفاسها لتتابع لحظة اكتشاف القاتل. وهنا حدثت الصدمة عندما ظهر على المسرح محمود السيد عبد الحافظ. لم يصدّق أحد أن هذه هى النهاية لجريمة نسج الخيال تفاصيلها بإثارة مفجعة من اليوم الأول: حشيش وخمور ورحم القتيلة متورّم بسبب مادة كيميائية و... كل هذه التفاصيل والقاتل عشوائى. اختار هذا البيت بالصدفة، لم يعرف أصحابه إلا من صور منشورة فى الصحف.
لعن الجمهور القاتل والشرطة ولم يصدق النهاية. الوحيد الذى هربت دموع الفرح من بين عينيه هو والد صاحبة البيت. روى بفخر رواية الأمن لأن القبض على القاتل أظهر براءة ابنته. لحظة قاسية جدا أن تطلب البراءة لمقتولة. دمعة الأب وشعوره بالفرح، لأن حكايته عن ابنته ظهر صدقها. موضوع جارح جدا. ماذا لو كنت مكانه وقتلت ابنتك، وكانت كل أمنياتك أن تظهر التحقيقات براءتها وهى القتيلة؟
النميمة لم تعد مجرد تسالٍ عابرة فى سهرات المقاهى والصالونات. تحولت إلى حقائق أقوى من الحقيقة نفسها، وعدالة أقوى من العدل نفسه. وغالبية الناس لم تصدق أن عامل البناء هو القاتل، لأن الخيال صنع حكايات من الصعب أن تكون هذه نهايتها. القسوة مغرية جدا (انتقام سلبى من أعداء وهميين يعيشون وراء محميات الثروة الجديدة). كما أن الجمهور لا يثق فى روايات الشرطة. وانتظر اكتشاف تفاصيل مثيرة. لم تشبعه حكاية هجوم لص هاوٍ على فتاتين فى أثناء النوم من أجل فرصة لم تتم.
وهذا سر الانتقام بالفرجة على مسلسل «ابن حلال».