.. أثر اللمبى وصل أيضًا إلى الثورة.
لم يتركها فى تحوّل خطابها إلى هذيانات قبيلة مهزومة.. أو النزوع إلى تحويلها إلى «كيان مقدّس» له طقوسه وأيقونات وكلام يشبه التعاويذ.. وبالطبع لا يتحرَّك «اللمبى» من وعى أن هذا خطر على الثورة نفسها أو على مساراتها بعد هزيمة أو وقوعها فى الجزر بعد المد/ أو استراحتها.. أيًّا ما كانت التسمية لما وصلنا إليه..
اللمبى يعمل ضحية الأحلام عندما تتحوَّل إلى شعارات.. فارغة.. أو بلاغة رخيصة.. ولأنه لا يعى أنه ضحية ويتعامل مع الواقع على أنه قدر.. فإنه أحد منتجات هذا الشعار وتلك البلاغة..
اللمبى هنا هو الابن الذى تنكَّره الآباء المؤسسون لدولة تحوّلت إلى استعمار وطنى وتنظيمات نافست على موقع المستعمر ومجتمع استسلم لموقع الحشود والقطعان بعد أن أمات نبضاته الحيّة..
اللمبى هو خريج مصانع الوعى المتآكل على موائد حملة المباخر وتجار موديلات المواطن الصالح/ منزوع القدرات والفاعليات/ المنتظر لحنان السلطة ورضاها/ الذى يرى أن «دى أرض الحكومة»/ ويوقف عقله عن العمل إلا فى ما يتعلَّق بالتحايل والشطارة/ ويرى ويسمع ويتكلَّم بتعليمات وأوامر تهبط من أعلى.. حيث يجلس كهنة الدولة فى مكانهم الغامض..
اللمبى هو القادم من القاع ليفضح العفن المقيم فى القمة.. وهو فى محاولة البحث عن الكنز الذى سيجعله يخرج على «وش الدنيا».. يفضح الذين يشبهونه فى تلك القمة.. ويعيشون فى قصور الحكم ولا يراهم الناس مثل اللمبى.
اللمبى مدمّر لطمأنينة مشاهديه.. الذين ينكرون وجوده على مقربة من ذلك العالم المخملى اللطيف الذى لا ترى أو تسمع أو تتكلّم إلا مع شابهك.. وهذا يعطّل إدراكك أن لا فارق بينهم وبين اللمبى تقريبًا إلا فى ما يتعلَّق بفنون الزركشة وصنع الأقنعة..
.. والمشاهد الباحث عن اطمئنان فى الأعمال الفنية سيربكه اللمبى، خصوصًا بعد أن أصبح «قديمًا» بعد ظهور «عبده موتة» بما يمثّله من أبناء الزمن العشوائى.. بغريزتهم المحمومة فى اقتناص موقع لأقدامهم فى مدينة تآكلت ونعيش على أنقاضها..
اللمبى طيب.. ومرعب.. معك.. وضدك.. يسمونه فى إعلام يعشقه حزب الكنبة «البلطجى»، ويسمونه عند ثوار يسخر هو نفسه منهم: «الشعب الحقيقى».. وهو لا يعرف إلا اللحظة.. ويغرق فيها إلى درجة لا يشعر بها إلا الفنانون ولاعب كرة القدم وعشاق البانجو.
توحّد من نوع نادر مع ما تفعله.. وهذا ما يميّز اللمبى.. إنه ابن الثورة.. اكتشف قيمته فى «الميدان».. لكنه وعى فوار يطير سريعًا ويعود منه إلى موقع المظلوم الأبدى الباحث عن فرصة للصعود أو كنز للخروج من جحره..
ومن هذه الحركة المحمومة.. ومن الهروب الدائم.. يهدّد اللمبى الأكاذيب التى تهيمن على الوعى العمومى.. يهددها ويحوله بالسخرية الفجّة إلى سوائل لزجة..
نعم إننا نعيش على مستنقعات من سوائل لزجة نسمها قيمًا وأفكارًا نبيلة..
ونحتاج الآن إلى مساعدة للخروج من هذه اللزوجة القاتلة..
هل رأيت اللمبى فى قصر الحكم؟
هل ساعدك على نزع الهالة عن الخطابات الأنيقة المزركشة؟
هل فكرت بدلًا من التأفُّف من فجاجته؟
..حاول.. قبل أن تأكلك الأناقة المزركشة التى تعيش أوهامها.. حاول وكل سنة وأنت طيب.