لسوء الحظ فإن البلاوى والكوارث والمآسى المروعة التى تنتجها نظم الحكم الفاشية والفاسدة والمجرمة لا تنتهى ولا تزول فورا عندما يحل أجلها ونستمتع بمشهد نهايتها، وإنما تبقى آثارها ومخلفاتها السامة تلوث وتنغص حياة الناس زمنا قد يطول بعد أن يغور صناع هذه النظم ويذهبون فى ستين داهية، ويتحول بعضهم إلى وقود لنار جهنم الحمراء.
ولا سبب أو مناسبة سعيدة معينة لهذا الكلام إلا سؤال افتراضى خَطر لى فجأة وأنا أحتشد لكتابة هذه السطور عما يمكن أن نفعله فى تلك التلال المتلتلة من الزبالة التى ورثناها من نظامين يتنافسان فى السوء والقذارة، كبسا فوق صدر هذا الوطن على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وتخلصنا منهما بثورتين عارمتين فى أقل من ثلاث سنوات دفعنا فيهما وما زلنا ندفع ثمنًا باهظًا.
وأعترف أن السؤال استهوانى وراق لى كثيرا لكننى سرعان ما اكتشفت أن إجابته صعبة جدا، ليس فقط لأن حجم ميراث الزبالة هائل ومتنوع ومنتشر على مساحة واسعة تمتد من البشر إلى الحجر، ولكن أيضا لأن التفكير التقليدى ربما لا يسعف فى إيجاد حلول للمشكلة تنطوى على إبداع مشابه لفكرة إعادة تدوير المخلفات والزبالات وتحويل بعضها إلى أشياء نافعة ومفيدة قدر المستطاع.
وبعد طول تفكير وإجهاد عقلى شديد توصلت إلى اقتراحات (على سبيل المثال لا الحصر) أظنها معقولة سأهديها حالا لحضرتك، وإلى من يهمه أمر تنظيف هذا البلد من الوساخات والعفن المتراكم على سطح حياتنا.. يعنى مثلا، مغارة مكتب إرشاد جماعة إخوان الشياطين الكائنة فى ضاحية المقطم يمكن بسهولة تحويلها إلى بيت للأشباح وألعاب الرعب.
كما أن بعض قادة جماعة إخوان الشياطين (أو كلهم) قد يكون مفيدا للإنسانية عموما وللباحثين فى أصل أنواع البلاوى والمصائب خصوصا، تجفيفهم وتحنيطهم وعرضهم كنماذج وعينات أصلية فى متحف «غرائب وعجائب تاريخ الشر».
أما أشياء وحاجات من شاكلة صفوت حجازى ومذيع فضائحية الجزيرة أحمد «مهزوم» وجمال ريان وخلافه، فإن فرمهم وتدويرهم فى خلاط «مولنيكس» مع إضافة مادة كيماوية مناسبة، قد ينتج مادة تخليقية تغنينا عن «الزفت» السايح النايح المستخدم حاليا فى سفلتة الشوارع والطرقات.
تبقى مخلفات وأرامل نظام حسنى أفندى وولده، سواء هاتيك القطعان من الصيِّع وحرامية الغسيل، أو أسراب الهاموش والغربان التى كانت تنعق وترتع وتعشش وتسرح براحتها على صفحات الصحف وشاشات التلفزة، بعدما تلقت تدريبها فى مباحث التموين، تلك التى عاد بعضها الآن لكى يقرفنا ويسود لون عيشنا.. هؤلاء جميعا إذا استخدمنا معهم بعض تطبيقات نظرية «الهندسة العكسية» فربما حصلنا على عقاقير ومساحيق من نوع «بودرة العفريت» النافعة فى إلهاب أقفية الظالمين والمجرمين، أو ابتكارات واختراعات ربما يكون بعضها بديلا أرخص وأكثر قدرة على الأذى من المطبات الصناعية العشوائية والحفر والأخاديد الطبيعية المنثورة بعناية فائقة فوق بدن الطريق الدائرى، الذى هو حاليا أقرب وأقصر وأسرع سبل الوصول إلى الحياة الآخرة ونعيمها.
و.. صباح الفل
(من بستان السطور القديمة)