بكيت من أجل مصر.. واعتزلت الناس.. وكنت متأكدا أن الله لن يترك البلاد للضياع
عندما نقول محمود عبد العزيز، فإننا لا نتحدث عن فنان، بل عن مدرسة خاصة جدا فى الأداء، تعتمد على الإحساس الفطرى الذى ينضح بحرفية عالية جدا، لتجد نفسك أمام شخصية من لحم ودم حقيقى، لكنها بنفس الوقت ترتقى إلى أعلى درجات الاتقان التمثيلى.
لا يستحق عبد العزيز فقط أن يكون «الساحر» الذى منحه الجمهور حبه، بل يزيد فى ذلك أن يكون عميدا لمدرسة الإدهاش الفنى والتلقائية المفعمة بالخبرة والاحتراف.
قدم محمود عبد العزيز فى رمضان شخصية من أصعب الشخصيات التى واجهته فى مشواره الفنى، إذ ظهر «منصورأبو هيبة»، الرجل الذى يجمع بين وجهى الخير والشر، العشق والقسوة، الأب الحنون، وتاجر السلاح الملعون، الذى يخلق لنفسه قانونا يبرر أفعاله الإجرامية، ولأول مرة أيضا ضمن تاريحه الزاخر بالوجوه المتنوعة، يجسد عبد العزيز لأول مرة شخصية الصعيدى، متقنا لهجة أهل الجنوب، ومتقمصا شموخهم ونظرة عيونهم وانفعالاتهم، لتعيده شخصية «أبو هيبة» مجددا إلى الشخصيات المركبة المعميقة، ولهذا كان لا بد لنا أن نسبر أغوار تلك الشخصية من خلال حوار مع صاحبها الذى تلفح بجلدها، فلونته بلونها، وتلون هو الآخر بها.
■ تتردد كثيرا فى اختيار الأعمال التليفزيونية، لكنك قدمت مسلسلين فى وقت متقارب جدا، فما السبب؟
- عندما تعجبنى فكرة عمل، وأجد الورق المناسب، لا أتردد فى قبوله وتجسيده، فالأمر بالنسبة لى ليس رفضا لدخول الدراما، أو ترددا، بقدر ما هو اختيار لفكرة، وسيناريو، وموضوع مختلف، يضيف إلى الدراما ولى، وبالمناسبة فشخصية «أبو هيبة» كانت فكرة قديمة أنوى تقديمها فى عمل سينمائى منذ فترة طويلة، وكنت التقيت بالسيناريست ناصر عبد الرحمن، وأعطانى هذا السيناريو، لكن ظروفا حالت دون إتمام العمل، إلى أن تحولت فكرة الفيلم إلى مسلسل، يصور هذا العام.
■ كيف استقبلت رد فعل الجمهور تجاه المسلسل، وكيف تقيّم هذه التجربة بشكل عام؟
- أحمد لله على استقبال الجمهور الجيد للمسلسل، وتحقيقه نسبة مشاهدة كبيرة، تعويضا عن التعب الكبير الذى بذله فريق العمل بلا استثناء من المخرج إلى أصغر عامل، وأحب أن أقول إن نجاح المسلسل يصعب من مهمتى القادمة، لأنه يجعلنى أفكر كثيرا فى العمل الذى سيليه، حتى لا أخذل جمهورى، لكننى أثق بأن لكل مجتهد نصيب.
■ أبو هيبة رجل متناقض يخلط الحلال بالحرام، ويخلق قانونا لنفسه ليبرر أخطائه، هل رمزت لشخصية معينة فى الواقع بهذا الدور؟
- فعلا أبو هيبة شخص قد تجد له فى أرض الواقع آلاف من الناس يشبهونه، ويرمز لكل شخص يحلل الحرام، ويصنع قوانين ليتحايل على تبرير أخطائه، وأعجبنى جدا الهدف العام من المسلسل الذى يعبر عن الفكرة القائلة إن بداخل كل شخص، جبلا من الحلال، وآخر من الحرام، لكن أبو هيبة يحلل ما يشاء، وهو يعلم أنه حرام، وأستطيع أن أقول إن المسلسل يكشف عن صراع النفس البشرية، والشخصيات جميعها منسوجة من الواقع، لكنها تبقى فى النهاية من خيال وتأليف وإبداع السيناريست ناصر عبد الرحمن، وهو اسم غنى عن التعريف، وأحداثه وحبكته الدرامية مشهود لها فى سلسلة أعماله السينمائية المتميزة التى قدمها.
■ ألا تجد أن هذه التركيبة قد تحدث نوعًا من الارتباك لدى المشاهد؟
- لا يمكن أن يحدث ارتباك، فالجمهور أذكى من الوقوع ضحية سوء فهم أبو هيبة، لأنه فى النهاية إنسان من الممكن أن تكون رأيته أو عرفته أو تتعامل معه، هو شخصية إنسانية عادية، تحمِل تناقضات موجودة بالفعل بين القسوة المفرطة مع أعدائه، وبين الضعف الإنسانى، والرقة المرهفة فى تعامله مع زوجته وأسرته وبناته وحفيده.
■ تعددت الخطوط الدرامية للمسلسل، فكان مليئا بالأحدث والشرائح الاجتماعية فى ظل مسلسلات عرضت خطوط أقل وأفكار أبسط، ألم يسبب لك ذلك قلقا؟
- مهما اختلفت الأفكار فنحن نقدم نماذج بشرية فى نهاية الأمر، وبالعكس تعمدنا أن يكون المسلسل ثريا بالعناصر الدرامية والأحداث والشخصيات، والتعرض لتناول شرائح كثيرة فى المجتمع من المتعلمين، والجهال، وتجار السلاح، وتجار المخدرات، ويحذر من اختلاف المعايير الإنسانية فى تحديد وخلط الحلال والحرام، والتفكير الدائم فى احتكار كل شىء حتى تتحول كل هذه الصراعات لجبل من الحرام، بالرغم من أن كل هذا فى النهاية لا يساوى شيئا أمام راحة البال، والتقرب إلى الله، وأعتقد أن المعنى كان مركبا وبسيطا فى نفس الوقت، ووصل إلى الناس بمنتهى الوضوح.
■ هذه التجربة الدرامية الثانية لك مع المخرج عادل أديب، بعد مسلسل «باب الخلق» حدثنا عنها؟
- بعد تعاونى مع عادل فى فيلم «ليلة البيبى دول»، اقتنعت به جدا كمخرج، كما شجعنى على أن أرشحه لخوض تجربة الإخراج فى الدراما التليفزيوينة، رغم عمله كمخرج سينمائى، لأنى مقتنع جدا بإمكانات عادل كمخرج بارع، وموهوب، ويستطيع تطوير نفسه، وتطويع أدواته بتوجيه الممثلين وفنيى الكاميرات، وكل ما يتعلق بالعملية الفنية، فهو يستحق فيها الامتياز مع مرتبة الشرف.
■ وماذا عن اختيار أبطال العمل، ومَن الممثلين الذين فاجأك أداؤهم؟
- أنا لا أتدخل فى اختيار الممثلين، لكنى أبدى رأيى فى اختيار الأبطال الذين يشاركونى العمل لأمور تتعلق بالراحة النفسية، وخبرتى فى المجال، لكن يبقى الرأى النهائى للمخرج، وشركة الإنتاج، وكل الفنانين كانوا فى كامل لياقتهم، وتفوقوا فى أداء أدوارهم، خصوصا طارق لطفى فى شخصية «كين»، وسلوى خطاب التى تستطيع دائما أن تغير من نفسها، وتتقمص كل الأدوار ببراعة، وكذلك وفاء عامر، وأحمد فؤاد سليم، ومى سليم، وخالد سليم، وكريم محمود عبد العزيز.
■ قدمت عددا كبيرا من الوجوه الجديدة فى هذا العمل، فمن تتوقع له مستقبلا بحكم خبرتك؟
- أنا مقتنع بأننا نمتلك طاقة هائلة من الوجوه الجديدة التى تحتاج إلى فرصة لتثبت جدارتها، وفى المسلسل تعمدت أنا والمخرج إسناد أدوار مميزة للوجوه الجديدة، وبالفعل نجحوا فيها وبقوة، مثل الممثلة الشابة التى جسدت دور صافى، وهى ياسمين صبرى، وهى ممثلة قوية ومبشرة، وأيضا من الشباب يوسف منصور، ومينا النجار، ورامى الطومبارى.
أحداث المسلسل مستوحاة من الواقع وكل الفنانين تفوقوا فى أداء أدوارهم
السينما فى مصر ستعود إلى سابق عهدها.. ومتفائل لأن النظام الجديد يعى دور الفن جيدا
تمنيت عرض المسلسل فى كل القنوات ليصل إلى الناس.. و«الحصرى» له حسابات تخص السوق
■ أليست مغامرة أن تقدم مشاهد «أكشن» وبنفسك، ودون الاستعانة بـ«دوبلير» فى المسلسل؟
- بالعكس، الأمر ليس غريبا، فأنا أفعل أى شىء يستلزمه الدور، والأكشن المصنوع بطريقه حرفية ومميزة ليس مخاطرة، رغم المجهود الضخم الذى تم بذله، لكننى كنت سعيدا جدا، لأن «الدوبلير» أحيانا يفصل المشاهد عن الممثل، بينما تجسيد الممثل للأكشن بنفسه يحقق صدقا أكبر، وتأثيرا أعمق، وأنا وجدت هذه المشاهد شديدة الأهمية، لذلك قررت تنفيذها بنفسى، وطلبت من المخرج عدم الاستعانة بدوبلير، والحمد لله وجدت استحسانا كبيرا جدا من الجمهور.
■ يقال إنك اخترت التعاون مع الشركة المنتجة لمسلسل «باب الخلق»، لأن ابنك محمد مشارك فيها، فهل هذا صحيح؟
- طبعا لا، لا يمكن أن أتعاون مع شركة لمجرد أن ابنى شريك فيها، ولن أجازف بشىء كهذا، فالفن لا يعرف المجاملات غير المدروسة، لكن الحقيقة هى أن هذه الشركة تتعامل بمنطق علمى، وتكنيك جيد جدا، ونظام محكم، ومواعيد، والتزام، وهذا كله شجعنى على تكرار التجربة معهم، خصوصا بعد التعامل معهم فى مسلسل «باب الخلق»، وهناك سبب آخر شجعنى أن أوقع مع الشركة، وهى أنها لها رؤية فى عملها، لذلك فرضت طبيعة مسلسل «جبل الحلال» أن يكون الإنتاج بهذه الضخامة، لأن شخصية أبو هيبة ثرية جدا بحكم تجارته للآثار والسلاح، وكذلك عدوه «كين» طارق لطفى، لا بد أن يكون بنفس المستوى، مما تطلب ديكورات شديدة الفخامة وسفرا إلى الخارج.
■ تردد أيضا أنك خفضت أجرك فى هذا المسلسل، فهل هذا صحيح؟
- لا أعرف بصراحة لماذا ينشغل الناس بحكاية أجرى، والغريب أنى أرى كل يوم أخبارا غير دقيقة عن حكاية أجرى تلك، وكل جريدة تنشر ما تريده من أرقام مضحكة، أما بالنسبة لمعلومة تخفيض أجرى، فهى غير صحيحة على الإطلاق، ولم أقُم بخفضه، ولن أخفضه، لأنى لا أرى لذلك داعيا، خصوصا أن مسلسل «باب الخلق»، حقق نجاحا كبيرا، والطبيعى أن أرفع أجرى، ولا أخفضه.
■ هل أنت راضٍ عن عرض مسلسلك على قناة حصرية فى رمضان؟
- أى فنان يتمنى أن يعرض عمله على أكبر كم من القنوات ليراه كل الناس، لكن هناك حسابات تحكم السوق، والقنوات الكبيرة تهدف إلى الحصول على مسلسل كبير حصرى يعرض عليها فقط، بالإضافة إلى التحالفات والانقسامات الموجودة بين القنوات وبعضها، وهو ما يحتم فكرة الحصرى، وفى النهاية كان المسلسل ضمن أعلى نسب المشاهدة، بالرغم من كونه حصريا، وعموما القناة مصرية، ومتوفرة ومفتوحة أمام الجميع، مما يسهل الوصول إلى المسلسل، فأنا لم أعرض مثلا فى قناة مشفرة أو خارج مصر وبعيدة عن الجمهور.
■ اُنتقد المسلسل أيضا بسبب كثرة عدد الإعلانات ووجود كم هائل منها وهو ما يشتت تركيز المشاهد؟
- أعرف طبعا أن كثرة الإعلانات وطول الفواصل الإعلانية قد تسبب بعض الضيق للمشاهد، لكن هذا حق القناة لأنها تدفع أموالا كثيرة لشراء المسلسل، ومن الطبيعى أن تحاول استرجاعها بالاعلانات، خصوصا أن المعلنين يكثفون وجودهم على الأعمال التى تحظى بنسبة مشاهدة كبيرة فهذا نجاح للعمل.
■ ما تقييمك لوجود وتجارب ابنيك محمد وكريم فى الوسط الفنى؟
- كريم أصبح من أبطال السينما، وفيلمه الأخير حقق إيرادات كبيرة بالرغم من عرضه فى فترة حظر التجوال، وهو من طلب العمل معى فى المسلسل برغم تحفظى على ذلك، لأنه أصبح بطلا ومن حقه أن يقوم ببطولات منفردة، أما محمد فقد استطاع فى فتره قصيرة أن يكون من المنتجين المهمين فى مصر، وأتمنى أن يحقق نفس النجاح على مستوى التمثيل.
■ أنت أحد أهم صناع ونجوم السينما المصرية، فكيف ترى حال السينما وما تعرضت له من أزمات مؤخرا وما الحل للأزمة من وجهة نظرك؟
- أرى أن السينما ستتعافى سريعا، لأن الفن والسينما فى دم الشعب المصرى، والفن المصرى ملىء بالمبدعين، والجمهور المصرى ذكى وستعود السينما لسابق عهدها، وقت أن كانت ثانى مصدر دخل لمصر بعد قناة السويس، وأنا متفائل لأن النظام الجديد يعيى دور الفن والسينما جيدا، ويحاول أن ينهض بهذه المنظومة.
■ غبتَ أعوامًا عن السينما فهل هناك عودة قريبة ومشروع جديد؟
- لا أنكر أن السينما من أجمل الفنون فى العالم، وهى صاحبة فضل على، وهى تاريخ للنجوم وللشعوب، وبالفعل وحشتنى جدا، ولكن لم تكن الظروف والمناخ السينمائى والعام مؤهلا لتقديم أعمال سينمائية فى الفترة الماضية، لكنى الآن أستعد لمشروع سينمائى هو «أوضتين وصالة» مع المنتج محمد حفظى، وهناك مشروع سينمائى آخر ما زلت فى مرحلة القراءة فيه.
■ يتردد أنك مررت بحالة نفسية سيئة فى الفترة الماضية بسبب أحداث العنف فى مصر، لدرجة أنك فضلت العزلة والجلوس منفردا بعيدا عن الناس هل هذا صحيح؟
- نعم صحيح، فقد فضلت الجلوس بمفردى والابتعاد عن الناس، لأنى شعرت بالحزن والإحباط فى الفترة الماضية، مثل كل المصريين، بسبب الأحداث التى تعرضت لها مصر، وهذه الحالة من الحزن وصلت لدرجة البكاء على الناس التى تموت كل يوم فى الشوارع دون أى ذنب، لكن كان عندى ثقة بالمولى عز وجل أنه لن يترك مصر للضياع، والحمد لله نحن الآن أفضل كثيرا وبدأنا طريق الإنتاج والاستقرار السياسى.