انتقادات عديدة تلقّاها بريدى الإلكترونى، حول البريد الذى أرسله الأستاذ (مجدى خليل)، الذى نشر على ثلاثة أعمدة متتالية، حول الحريات الدينية.. وبخاصة بالنسبة إلى ما التبس على البعض، وبدا لهم أن البريد يعتبر حرية الرأى أمرا يتعارض مع حرية العقيدة.. بادئ ذى بدء، لا بد من العلم أن ما ينشر فى العمود، عن بريد إلكترونى لقارئ ما، لا يعبّر بالضرورة عن رأى صاحب العمود، ولكنه يعبّر عن رأى صاحب البريد، الذى له كل الحرية فى نشر بريده، وطرح رأيه، حتى وإن تعارض مع الكل.. هذه هى حرية الرأى.. ولقد راجعت الفقرة التى لاقت الاعتراض، فوجدت أن صياغتها فقط ما أحدث اللبس، فحرية الرأى هى الضامن الأساسى لحرية العقيدة والعبادة، ولا تتعارض معهما إطلاقا، بل هى الضامن لهما.. هذا ما أراد مرسل البريد أن يقوله، ولكنه صاغه فى عبارة التباسية، لا يمكن فك الاشتباك فيها، إلا بمتابعة باقى البريد.. والواقع أن الله سبحانه وتعالى خالق الكون وواهب الحياة لكل مخلوق حى، ترك لعباده حق حرية الرأى، عندما حظر إكراه الناس على الدين، واستنكر من يستخدمونه أو يلجؤون إليه.. بل وترك من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، وهو وحده يحاسبه على إيمانه وكفره، لأنه عزّ وجلّ يعلم السر وما يخفى، ويعلم ما فى الصدور.. الدين لله، لا يمكن أن يولد فى القلوب بالإكراه، ولا تنبض به الأفئدة بالقوة.. الدين علاقة روحانية خاصة، لا يمكن أن يدّعى إنسان معرفة موقعها، فى كيان إنسان آخر.. ولو أنك أكرهت شخصا على الدين فسيتظاهر بالإيمان به، وينتظر فى تحفّز، أوّل لحظة ينقض فيها عدو على الدين، ليطعن من أجبره فى ظهره، ويناضل من أجل هزيمته.. ولأن الدين موقعه القلب والروح، فلا يمكن زرعه بالخوف أو الإكراه أو التهديد، ولن يجدى فيه الغضب والعصبية والتعصّب.. لأنه دين.. عقيدة.. إيمان.. ولهذا فحرية الرأى هى جزء من الدين.. بدونها لا يكتمل الدين.. والمؤمن الحقيقى لا ينزعج من حرية الرأى ولا يخشاها، لأنه يؤمن بدينه، ويثق فى ربه، الذى يحمى هذا الدين.. أما صاحب الإيمان المهتز، أو المنافق، فهو يغضب ويتوتر وتشنّج من حرية الرأى، لأنه -فعليا- لا يثق فى قوة دينه وعمق عقيدته.. المؤمن الحقيقى هو كتلة من السماحة والحكمة.. يجتذب الناس إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسنة.. تماما كما نشر تجار المسلمين الدين فى آسيا، بأمانتهم وسماحتهم، وحسن خلقهم، دون أن يتشنّجوا أو يهدّدوا أو يتوعّدوا أو يغضبوا.. ودون أن يرفعوا سيفا فى وجه أحد.. سلاحهم كان الحكمة والموعظة، والقدوة الحسنة، وتقبّل الآخر، وحرية الرأى.. الدين الصحيح إذن هو الحامى لحرية الرأى، وحرية الرأى هى الحامى للدين.. وكل عام وأنتم بخير.
نبيل فاروق يكتب: الدين والحرية..
مقالات -
د. نبيل فاروق