لا تفوتك…
إشارات كثيرة لكى لا نفوت مشاهدة الحلقة 27 من «فيفا أطاطا»…. فيها السحر كله.
والحقيقة لم أتابع دراما رمضان بإخلاص كما يفعل عشاق الطقوس/ ومنتظرو العادات.. واقتصرت على تتبع محاولة محمد أمين راضى وخالد مرعى فى كسر الطرق التقليدية للسرد فى«السبع وصايا».. وهى محاولة مثيرة للجدل وتستحق الحوار الدائر حولها… وهى توسعة لعالم الدراما التى تختزل مقياس نجاحها… فى محاولة صنع صورة للواقع… أو حبكة تسير وفق خط واحد متصاعد فى صراع بين الخير والشر… لتنتهى بمواعظ تطمئن الجمهور أن الخير سينتصر والشر سيموت…. أو على الأقل تمنح شاعرية التعاطف مع الضحية… أو غيرها من مقاصد الدراما المحفوظة فى علب لا تخرج منها…
«فيفا أطاطا».. فى منطقة أخرى تقترب من عروض «الفودفيل»… التى يرجع أصلها إلى منطقة «فال دوفير» فى مقاطعة نورماندى الفرنسية حيث انتشرت الأغانى الشعبية الخفيفة الساخرة (التى يمكن اعتبارها مبتذلة من قبل الأفندية والمتحفظين..) وهذه الأغانى تطورت وحرفت الكلمة مرتين الأولى «فو دى فير» ثم «فودفيل» لتكون وصفا لعروض هزلية تسخر من التصورات السادة من الطبقة الحاكمة… ولا تحمل رسالة مواعظ وحكم تعبر عن امتلاك الحقيقة المطلقة… الليمبى أقرب إلى فودفيل مصرى… يسخر من كل الروايات والتصورات السياسية والاجتماعية التى أنتجتها الطبقات الحاكمة… والمسيطرة ودفعت بكل قوتها لماكينات ترويج لأكاذيب وبلاغة وصور مصنوعة عن مصر والمصريين.
الليمبى يطحن كل هذه الأكاذيب ويحولها إلى مسحوق يلهو به فى عروضه… منذ الليمبى الأول وحتى «ألف وليمبى وليمبى التى تقدم باسم«فيفا أطاطا». وهذا سر سحر الحلقة 27… التى قدم فيها الليمبى عرضا مكتملا يفكك ويفتت أساطير مكونة للعقل والوجدان المصرى… فالليمبى على ملك مصر شريك لشجرة الرز… فاضحا كواليس قصر الحكم ونظرتهم للشعب وصنعهم بطولات وهمية وكاشفا للبلاغة الكاذبة….
اللمبى فى قصر الحكم… لا أتكلم هنا عن «محمد سعد» الممثل الذى ظهر مثل «إفيه»… قوى وخاطف.. يترك أثرا (…وأراد بعد ذلك استثمار الإفيه واعتصاره إلى آخر رمق…)… لكننى أتكلم عن الليمبى.. ابن فوضى.
عفوى.. يخرج من تحت خبرات ثقيلة.
مربك.
يدمر كيانات أقامها المجتمع ونساها بعد أن استقرت عليها سعادته. تدمير يخفى سره فى عفوية «الليمبى». شخصية فريدة، طازجة، تكونت من بقايا أفكار وقيم وأخلاق فقدت هيئاتها الأولى وتآكلت وتجمعت فى كيان لا يمكن توصيفه بأوصاف تقليدية.
الليمبى هو «حثالة» المدن.
ليس صعلوكا ولا هو ابن البلد الشعبى ولا الفقير المعدم.. هو «حثالة» تعيش بين فواصل الطبقات. لا وعى خاص.. ولا سياق تعيش فيه. تغضب أحيانا من السلطة وتصل بغضبها إلى الحافة، فتكسر وتحرق.. وبعد قليل يمكنها أن تصبح فى الطرف الآخر وبنفس الحماس والتدمير. حثالة تفجر الكوميديا من صندوق بقايا بشرية. يمكن من باب الفلسفة اعتبارها نوعا عشوائيا من الغضب والسخط على كل المؤسسات القائمة، بداية من مؤسسات السياسة إلى مؤسسات القيم والأخلاق، من العائلة إلى المدرسة مرورا طبعا بمؤسسات السلطة التى لا تطارد سوى الغلابة والضعفاء بينما تحمى الأقوياء والمسنودين إلى حائط النفوذ. ومنذ «الليمبى الأول»… انحزت إليه فى مواجهة موجات اعتباره رمزا للانحطاط والإسفاف الفنى… وهى النظرة الاستعلائية التى ترى الفن مصدرا لرسالات الأخلاق والمواعظ والحكم المطمئنة لاستقرار المجتمع على هندسته القائمة على الأكاذيب والظلم والعدوان.
ماذا فعل الليمبى فى القصر بعدما أخرجته الثورة… إلى الشوارع وحررته من سطوة رجال السلطة.. نعم رأينا الليمبى فى الثورة…
وفى الحلقة 27… رأيناه فى قصر الحكم مع الطبقة الحاكمة وشعبها الملعون بأكاذيبها…
…وما دمنا فى العيد.. فدعنا نكمل تسليتنا مع الليمبى غدا.