ايجى ميديا

الأحد , 19 مايو 2024
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

وائل عبد الفتاح يكتب: غريب فى سجن النساء

-  
وائل عبد الفتاح

نوسة هى أول سجينة رأيتها فى «القناطر...».


لم أعرف أنها مسجونة إلا بعد فترة.. كانت تتحرّك بخفة ونشاط تضع على رأسها طاقية رياضية تحمى من الشمس.. أى إنها من المنتمين إلى الخارج.. هى المشرفة على البوفيه.. المأمور طلب منها أن تجهز لنا نزيلات للحوار.. وبعد قليل فى التفاوض مع «أبلة ميرفت» المشرفة الاجتماعية.. استعرضت الأسماء.. «.. ناهد.. هناء.. سميرة..»، وفجأة توقفت ونظرت إلينا: «.. ما تعملوا الحوار مع نوسة».


عرفنا أن نوسة واحدة من أقدم نزيلات عنبر القتالات.. تشرف على البوفيه.. وتعتبر هى مفتاح الخريطة السرية للسجينات.. كانت تتحرَّك عبر الباب الموصل إلى ساحة العنابر حين سمعت اقتراح المشرفة وردت من مكانها: «.. بلاش أنا والنبى.. آخر مرة عم الولاد منعهم من زيارتى.. وأنا قرّبت أخرج..».. حركتها لم تتوقّف وكانت وقتها تساعد مسجونة فى الوصول إلى ابنها الذى جاء إلى الزيارة، وكانت تريد أن تلمسه بعيدًا عن القضبان.


نوسة خفيفة فى الحركة وسط وجوه تصلّبت على الأسلاك شائكة تنظر من بعيد على صالة الزيارة والأكياس المتخمة ببضائع.. ورجال ونساء وأطفال فى صالة تشبه صالات جمارك بورسعيد أو مكاتب الموظفين فى الشهر العقارى حيث كل فرد يحتاج نفس الشىء فى نفس اللحظة وبسرعة أكبر من التى تتحمّلها طاقة المكان.. كل زائر يعبر البوابة الكبيرة بعد أن يضع الحارس الخبير الختم على إحدى يديه.. دون هذا الختم يمنع الزائر من العودة العكسية من نفس البوابة الضخمة التى لا يفتح فيها سوى باب صغير لمرور الضباط والحراس والأطباء والزوار، فى موعد الزيارة.. كنت أحاول تأمُّل الوجوه.. هل تستطيع أن تعرف وظيفة كل شخص دون النظر إلى ملابسه.. الملامح المتوترة التى استقرت فى صفقة صمت هادئة تسيطر على المكان.. لا يبقى غالبًا فى النظرة البعيدة للوجوه إلا لون الملابس.. الكاكى للمأمور والعساكر.. إنه لون السلطة فى محافظة القليوبية التى يتبعها السجن.. والأبيض للمسجونات.. وللأطباء.. وللممرضات.. ولبعض ضباط فى مهام خاصة من شرطة العاصمة.. يبقى اللون الرمادى.. المحايد للحارسات.. وللمشرفات الاجتماعيات.


فقدت التوازن فى اللحظة الأولى.. لم أتحمَّل فكرة الغريب الذى يتفرَّج على عالم السجن.. إننا الآن فى الممر بين الخارج والداخل.. الحرية والقيود.. فى مساحة مربعة تحشر فيها مكاتب الإدارة.. وعلى يمينها ساحة الزيارة.. هذا قبل السلك الشائك الذى يحيط بالعنابر.. هذه المساحة تشبه الممر، لأنها تنعش كل المشاعر المثيرة بين عالمين.. إنك لست فى الداخل.. ولست فى الخارج.. «بين البينين».. مغلق عليك باب تحتاج أمرًا من صاحب السلطة على المكان لكى تخرج منه.. تعرف أنك ستخرج.. لكنك تشعر للحظات بأنك تعيش حالة السجن.


لم أكن خبيرًا مثل المحررين المحترفين فى الحوادث.. ولهذا لم أنطق بكلمة واحدة لمدة ربع ساعة.. كان خطاب مصلحة السجون يضعنا فى مهمة محددة.. «.. نرجو السماح بإجراء حوارات مع المحكومات عليهن..» (وفى نهاية الخطاب).. «.. لكى يبرهنوا على أن الجريمة لا تفيد..».


ضحكنا جميعًا من الديباجة التى تحدّد مهمتك من البحث فى سجن النساء.. لماذا إذن تريد أن تدخل قسم النساء إن لم يكن لإثبات فشل الجريمة فى الإفادة.


أنا وقبل أن أعبر البوابة الكبيرة التى تفصلنا عن سجن القناطر للنساء.. سألت نفسى: لماذا جئت إلى هنا؟!


هل سعيًا خلف مقولة قرأتها فى كتاب «إن من لم يعرف امرأة مختلة لم يعرف نساء فى حياته؟» أم أننى أبحث عن المسافة بين المجرمة والضحية؟


المأمور والضباط وأطباء السجن كانوا مهتمين بحركة التنقلات فى الشرطة.. يصنع الانتظار توترًا مكتومًا... ترفع درجته الرغبات الملقاة فى ممر الزيارة... ثلاث فتيات يلوحن بإشارات جريئة وحركات جنسية.. وعلى الباب نظرة استعطاف لمسجونة تريد الذهاب إلى العيادة.. وعلى اليسار تجمعات من النزيلات فى ساعة الفسحة تبدو الألوان الفاقعة وسط سيطرة الأبيض كأنها احتفالات مسروقة من النظام الحديدى.. سجينة هرولت عندما لمحت الضابط يصحبنا إلى المكتبة.. فى أثناء هروبها وعبر السور بيننا وبينها كان يمكن أن نلمح جسدها يهتز وعليه بلوزة حمالات ملونة بدت مثل رغبة فائرة فى صحراء قاحلة.


الجسد فى السجن هو العلامة المتاحة لإحساس المسجونة بأنها فرد وليست ضمن قطيع.. ليس الموضوع هنا هو الأنوثة.. أو الرغبات المكبوتة تحت لون البياض العمومى.. بل هو الإحساس بالوجود الشخصى.. لمحت فى حجرة تعليم الخياطة مسجونة تخرج من كيسها عبوة كريم لتدليك اليدين وتجرى معها حوارًا حوله.. مسجونة أخرى بدا لون طلاء الأظافر مميزًا فهو أخضر ومن النوع الرخيص.. تابعت ألوان الماكياج التى تحاول كل واحدة أن تميّز بها نفسها.. ماكياج قليل لكنه يمكن أن يكشف عن شخصية صاحبته.


والجسد هو أيضًا مفتاح لفهم المعنى وراء قصص القتل كما تحكيها صاحباتها خلف الأسوار والحراسة.. وكما تحكيها الأوراق الرسمية.. وكما تدور على الألسنة بين نزيلات العنابر.. هناك دائمًا حكايات متناقضة عن نفس الحادثة. هناك خيال الاتهام. وخيال المتهم. وبينهما خيال يحاول فهم ما يجرى.


وكل حكاية وراء السجن تكشف عن تفاصيل تاريخ سرّى.. نقاومه باعتباره «جريمة لا تفيد».


(من حكايات القاهرة).

التعليقات