القتلة من جنس ونوع واحد وإن تعددت مسمياتهم
■ ■ عزيزى القارئ.. أعترف بأنى تعبت من الكتابة، وأظنك أنت أيضا تشاركنى التعب والحزن نفسهما من قراءة وسماع التعليقات على سيل أخبار شلال الدم الطاهر الذى صار يتدفق كاسحا فوق أراضى أمتنا يوميا بل كل دقيقة، من العراق واليمن شرقا، إلى سوريا ولبنان وفلسطين فى قلب الأمة، ثم يعبر بمصر إلى الغرب لكى يلوّن وجه الحياة فى ليبيا، كما يطال تونس وتترجرج موجاته العاتية فى السودان وتستقر فى الصومال جنوبا.
أما القتلة فمن جنس ونوع واحد، وإن تعددت مسمياتهم، فإما هم صهاينة صُرَحاء وأجانب، وإما هم صهاينة محليون يتحدثون لغتنا ويعيشون بين ظهرانينا، لكنهم أسسوا وانخرطوا فى عصابات متوحشة مجرمة تنزّ بالانحراف والتشوه العقلى والروحى والأخلاقى، خطفت دين الإسلام ونشلت شعاراته وبهدلت وسحقت قيمه ومبادئه السامية، وحوّلتها إلى أسلحة ووسائل تدمير وتخريب وإزهاق همجى ومجانى للأرواح البريئة فى أوطاننا.
هل اندهشتَ من وصف هؤلاء الأخيرين بأنهم صهاينة؟ طيب انظر قليلا إلى ما يجمع هذه العصابات بالصهيونية التى سرقت فلسطين، وستجد بغير عناء أدلة ومظاهر أُخوّة المنبع والسلوك، فأما عن المنبع فإن الصهاينة الذين يستعملون أساطير الديانة اليهودية وأقرانهم المتمسحين بالإسلام كلاهما مسلّح بعقيدة طائفية كريهة ومظلمة، تتوسل بالدين لتحقيق أغراض سياسية ذات طبيعة عدوانية موجَّهة بتهور وهمجية يلامسان حدود الجنون، ضد كل البشر الأغيار من أى دين وملة، بل ولا تتسامح حتى مع من يخالفهم المفهوم المنحرف المشوه للدين المسروق.
هذا الاتفاق الواصل إلى حد التطابق فى العقيدة المجرمة، يناظره تطابق آخر مثير ومدهش فى تصرفات وسلوك أتباع الصهيونيتين، فكما أن صهاينة اليهود يستبيحون ويستسهلون الوحشية واللجوء دائما إلى القوة العمياء، والصعود إلى أعلى درجات الخسة والهمجية، فإن الصهاينة المتنطعين على الإسلام يفعلون الشىء نفسه، إذ تراهم يسترخصون الأرواح ويحتقرون الحياة الإنسانية ولا يقفون أبدا فى التخريب والتقتيل وارتكاب الفظائع المنكرة عند أى حدود تفرضها الأخلاق أو تأباها أى نفس سوية.. وانظر مثلا إلى تزامن وتشابه آخر مجازر العدو فى غزة، وأقصد محرقة حى الشجاعية، مع أحدث جرائم عصابات الصهيونية المحلية، تلك التى استهدفت يوم السبت الماضى جنودنا الصائمين فى واحة الفرافرة.
■ ■ كتبت هنا الأسبوع الماضى نصًّا «إن بوادر تشقق فى استراتيجية اللجوء دائما إلى القوة الساحقة الماحقة المتوحشة، أو (الخيار شمشون) الذى يستسهله العدو الصهيونى، هذه البوادر لها علاقة بمعطيات أفرزتها خريطة سياسية إقليمية معقدة ومضطربة، وفَّرت على مدى العقدين الأخيرين لبعض القوى والجماعات (أهمها حزب الله اللبنانى) فرص الحصول على دعم سياسى ومادى كبير وتسليح نوعى إيرانى مؤثر وثقيل نسبيا، كان من شأنه أن يلحق شيئا من الأذى بالعدو»، لكنى استدركت وقلت: «إن هذا الخيار هو أصلا وفى الأساس يحمل فى داخله عوامل وأسباب لا معقوليته، ومن ثم فإن الاعتماد الأبدى عليه أمر شبه مستحيل.. وهى حقيقة تأكدَت فى الماضى القريب، ويبدو أن تطورات العدوان الهمجى الدائر الآن على أرض قطاع غزة، سوف تعيد تأكيدها وتجسيدها».
واليوم أكمل بأن «شمشون» الصهيونى اتبهدل فعلا، ومُسحت بهيبته أرض القطاع البطل المنهك بالتقتيل والحصار والحَشْرة الخانقة بين عدو متوحش وحكم جماعة مظلمة، أزاحت «إخوانيتُها» وطنيتَها، وتقدمت عليها بمسافات طويلة جدا.