توقَّف إعلان «قطونيل» الذى كان يقدمه هانى رمزى مستعينا بأغنية فؤاد المهندس التى لحّنها محمد عبد الوهاب «أنا واد خطير»، وتعددت أسباب المنع، البعض يؤكد أنها جمعية المؤلفين والملحنين، رغم أن عشرات من الإعلانات تستعين بأغانٍ مماثلة، ولم يحدث أن توقفت، بل إن عبد الوهاب له إعلان ثانٍ بموسيقى أغنية «الدنيا ريشة فى هوا» التى لحّنها لسعد عبد الوهاب، وثالث عن نشيد «وطنى حبيبى الوطن الأكبر» ولم يحدث شىء.
كانت مواقع التواصل الاجتماعى قد امتلأت فور عرض الإعلان بعبارات الاستهجان، ولا أتصوره بسبب البوكسر، ولكن لتردّى حالة الإعلان وسخافته.
هانى رمزى فى برنامج سمر يسرى «ليلة» على قناة «النهار» كان له تفسير سياسى، حيث ألمح إلى أن أصابع الإخوان ليست بعيدة عن ذلك، كانوا غاضبين وبالتأكيد لا يعنيهم من قريب أو بعيد حقوق ورثة عبد الوهاب، فهم يحرّمون الغناء أساسا، ولكنهم كانوا مستائين من هانى، باعتباره كان صاحب الصوت الأعلى فى الهجوم عليهم من خلال برنامجه التليفزيونى «الليلة مع هانى» على قناة «إم بى سى» قبل ثورة 30 يونيو، وقرروا أن يردوها له، فهاجموا الإعلان. إنه التفسير السياسى الذى صرنا نلجأ إليه فى العديد من شؤون حياتنا، فهل كانوا حقًّا غاضبين من هانى تحديدا أم من سخافة الإعلان؟ ما الذى يقوله هانى عن الرافضين لحكم مرسى والإخوان وأيضا البوكسر، هل يعتبرهم فى هذه الحالة خلايا إخوانية نائمة؟
هذا العام كانت الإعلانات هى أسوأ ما عرضته الشاشة الصغيرة، خفتت اللمحات الفنية، وصارت السماجة هى سيدة الموقف، كان الإعلان فى الماضى فسحة لالتقاط الأنفاس خصوصا لو امتاز بخفة الظل، والكثير من نجوم الإخراج فى توقيت ما قدموا إعلانات، فهى تحقق مقابلا ماديا مجزيا، وأغلبهم لم يكن يشير إلى ذلك، بينما النجم مضطر فهو يسوّق الإعلان والسلعة باسمه.
الإعلان عمل فنى مشروع، وهكذا شاهدنا فى الماضى مثلا لأم كلثوم إعلانا عن صابون «نابلسى فاروق»، قبل أن يغيره صاحبه بعد ثورة 23 يوليو، ويعلن هجومه على العهد البائد وأطلق عليه اسم «نابلسى شاهين».
ومن أغلى النجوم أجرًا فى دُنيا الإعلان عادل إمام ومحمد منير وعمرو دياب وأحمد حلمى وأحمد السقا ويسرا ومنى زكى وكريم عبد العزيز، النجم بالطبع كلما ازداد اسمه وكان بعيدا عن تلك الدائرة ارتفع ثمنه. لديك مثلا رجاء الجداوى وهالة فاخر وعبلة كامل، صرن من محترفى الإعلانات، ولهذا يتضاءل فى العادة سعرهن، الإعلان لا يحقق فقط عائدا ماديا ضخما للنجم، بل إنه من الممكن أن يلعب دورا إيجابيا فى صعود أسهم بعضهم، ماجد الكدوانى من أكثر النجوم الذين لعب الإعلان دورا إيجابيا فى مشوارهم، ومن الممكن اعتبار من الجيل القديم حسن عابدين، وإعلانه عن مشروب المياه الغازية «شويبس» كان لصالحه تماما، وأسهم فى تحقيق القسط الوافر من نجوميته.
إعلانات هذا العام تعددت عن مرضى السرطان ومأساة الجوع، وعلى النقيض المنتجعات الفاخرة المستفزة، هذه الإعلانات أطلق عليها الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة «البقرة المقدسة»، لأنها سر الأجور المليونية التى يحصل عليها النجوم، فهى تشكل جزءًا لا يستهان به من العملية الإنتاجية برمّتها، الإعلان من الممكن أن يُصبح نافذة للنجوم الذين ليس لديهم دور فى خريطة الدراما، هانى رمزى وُجد فى هذه النافذة ولكنه اختار الأسوأ، ولا أتصور أن السر وراء وقفه ورثة عبد الوهاب، وليست جمعية المؤلفين والملحنين، ولا انتقام الإخوان، ولكنها السخافة، وكما قال المتنبى مع تغيير طفيف «لكل داء دواء يستطب به إلا السخافة أعيت من يداويها»، مشّيها هذه المرة السخافة!