منذ أن سمعت مساء الخميس خبر قيام قوات العدو الإسرائيلى بتطوير المجزرة الجديدة التى ترتكبها ضد أطفالنا وأهلنا فى قطاع غزة وبدء اجتياح آلتها الجهنمية الأمريكية أرض القطاع الذى يعيش الآن محاصرا محشورا بين شرّين مستطيرين، شر العدو الغاصب وشر عصابة حماس الراقدة على أنفاس أهله.. من لحظتها وأنا أكابد مشاعر ألم ووجع لا يمكن وصفه، غير أن الله رؤوف رحيم بعباده، فقد أنقذنى من أن يتفاقم وجعى إذا ما استدعت أنباء المجزرة إلى مخيلتى وجوه تجار الدم الكئيبة، هؤلاء القاعدون فى فنادق الدوحة يبحثون عن مكسب تافه للعصابة وسط فيض جثث الشهداء الأبرياء، فإذا بملاك الشعر يزورنى ويعطر رأسى المحموم بسخونة الحزن والغضب بقصيدتين رائعتين، أولاهما «بطاقة هوية» لمحمود درويش، والثانية «الأرض بتتكلم عربى» التى أبدعها فؤاد حداد.
و.. أبدأ بالأرض التى تتكلم بالعربى وستبقى، ولن تتكلم أبدا بالعبرى ولا بالقطرى وبالتركى:
الأرض بتتكلم عربى وقول الله
إنّ الفجرَ لمن صلاه
ماتطوَلْش معاك الآه
الأرض.. الأرض.. الأرض
الأرض بتتكلم عربى
الأرض بتتكلم عربى ومن حطين
بترد على قدس فلسطين
أصلك ميه وأصلك طين
الأرض بتتكلم عربى
الأرض بتتكلم عربى سبل وكروم
تجرى اللقمة ع المحروم
ما تثبتش حصون الروم
الأرض بتتكلم عربى
الأرض بتتكلم عربى يا خيال
بيعد سيفك أم عيال
ظهرك ياما من الأجيال
الأرض بتتكلم عربى
الأرض بتتكلم عربى حتى البور
بنت الساقية والطنبور
حتى فى بطون الأرض قبور
الأرض بتتكلم عربى
الأرض بتتكلم عربى بوجد وشوق
الفَرْع اللى يِهمّ لفوق
لاجل الجِدْر يشدّ لفوق
الأرض بتتكلم عربى
الأرض بتتكلم عربى جدورها جدود
مِدّ اتوسّع زى العود
أنت الباكر والمولود
الأرض بتتكلم عربى
الأرض بتتكلم عربى ولا ترتاح
واصل كالسيل المجتاح
فتحك يا عبد الفتاح
الأرض.. الأرض.. الأرض
الأرض بتتكلم عربى..
■ ■ ■
أما محمود درويش فقد أنشد بيانات بطاقة هويته قائلا:
سجّل.. أنا عربى
ورقم بطاقتى خمسون ألف
وأطفالى ثمانية
وتاسعهم سيأتى بعد صيف
فهل تغضب؟
سجّل.. أنا عربى
وأعمل مع رجال الكدح فى محجر
وأطفالى ثمانية
أسلّ لهم رغيف الخبز والأثواب والدفتر
من الصخر
ولا أتوسل الصدقات من بابك
ولا أصغر
أمام بلاط أعتابك
فهل تغضب؟
سجّل.. أنا عربى
أنا إسم بلا لقب
صبور فى بلاد كل ما فيها
يعيش بفورة الغضب
جذورى.. قبل ميلاد الزمن رست
وقبل تفتّح الحقب
وقبل السرو والزيتون
وقبل ترعرع العشب
أبى من أسرة المحراث
لا من سادة نجب
وجدى كان فلاحا
بلا حسب ولا نسب
يعلمنى شموخ الشمس قبل قراءة الكتب
وبيتى كوخ وناطور
من الأعواد والقصب
فهل ترضيك منزلتى؟
أنا إسم بلا لقب
سجّل.. أنا عربى
ولون الشعر فحمىّ
ولون العينين بُنّىّ
وميزاتى
على رأسى عقال فوق كوفية
وكفى صلبة كالصخر
تخمش من يلامسها
وعنوانى
أنا من قرية عزلاء منسية
شوارعها بلا أسماء
وكل رجالها فى الحقل والمحجر
يحبون الشيوعية
فهل تغضب؟
سجّل.. أنا عربى
سُلِبتُ كرومَ أجدادى
وأرضًا كنت أفلحها
أنا وجميع أولادى
ولم تترك لنا ولكل أحفادى
سوى هذه الصخور
فهل حقًا
ستأخذها حكومتكم كما قيلَ؟
إذَن.. سجّل برأس الصفحة الأولى
أنا لا أكره الناسَ
ولا أسطو على أحدٍ
ولكنّى إذا ما جُعت
آكُل لحم مُغتصبى
حذار حذار من جوعى.. ومن غضبى