حسب معلوماتى المتواضعة فإن هذه الدنيا الواسعة ليس فيها مرشحون للنيابة عن الشعب بالعافية (مع أنهم ينتظرون النيابة والبوليس) يشبهون هذا القطيع الذى عندنا، ذاك الموروث من عهد نظام الأستاذ حسنى مبارك وولده ومنافسيه «إخوان الشياطين» الذين ورثوه بعد سقوطه، وصعدوا بالنصب إلى قمة السلطة لمدة عام كامل، قبل أن يرميهم الشعب المصرى فى «صفيحة زبالة» التاريخ.. هذا القطيع يتصرف ويمارس الدعاية بين جمهور الناخبين البؤساء على طريقة تاجر المخدرات الذى ينفق أيام العام كله فى البلطجة وأكل السُّحت ومراكمة واكتناز الثروة الحرام، ثم عندما يأتى يوم عيد الأضحى المبارك يبكّر بُكور الطير لكى يذبح عجلا فى الشارع ويوزّع لحمه على أهل الحتة الغلابة، وسط تهليلهم وابتهالاتهم ودعواتهم له بدعوات حارة وأمنيات مخلصة من نوع: ربنا يعمَّر بيتك يا حاج ويوسَّع رزقك (الحرام) كمان وكمان.. إلهى يعلِّى مراتبك يا شيخ (المنسَر)، ويسترك وما يعرِّيك ولا يفضحك أبدا، قادر يا كريم!!
المنظر المخجل هذا بحذافيره يصنعه حاليا القطيع المجرم إياه بعدما خرج من الشقوق التى كمن فيها بعض الوقت، وبدأ يرعى ويعربد من جديد فوق سطح حياتنا، وكأن لا ثورة قامت، ولا حاجة حصلت فى البلد أبدا خالص البتة.. ومن آيات ذلك أن سيدة من أسوأ نجوم القطيع المذكور وأكثرهم سباحة فى الفضائح لبست منذ مطلع الشهر الكريم مسوح «المحسنة الكبيرة»، وراحت توزِّع على أهل دائرتها الفقراء (فى أحد أحياء القاهرة) شنطة رمضانية محشوّة بعينات تافهة من بعض مستلزمات القوت الضرورى التى تعز (مجرد رؤيتها) على هؤلاء المواطنين الغلابة باقى شهور السنة، كما لم تكتفِ الست هانم بهذه العينات، وإنما إمعانا فى إظهار الرقة وإحكام خطة شراء ضمائر الناخبين الغلابة، قامت بلصق ورقة عملة من فئة المئة جنيه على «شنطة النصب»!!
قُلت فى مطلع هذه السطور إننى لم أسمع عن وجود قطيع مثل هذا فى دنيانا يقترف مع شعبه مسخرة تشبه ما يفعله اللصوص وتجار المخدرات مع أهل حتتهم، بغرض غسيل السمعة الوسخة، وتبييض صحائف سيرتهم المتخمة بالإجرام، لكنى آسف وأعتذر بشدة فقد تذكرت وأنا أشرع فى كتابة الفقرة الحالية أننى قرأت مساخر مماثلة فى قصص أدباء أمريكا اللاتينية الذين أثروا تراث الإبداع الإنسانى بروايات خالدة سُجلت ورسُمت ببراعة صور، وما ارتكبه حكام ديكتاتوريون وسفاحون وعملاء أبتليت بهم أوطان هؤلاء الأدباء ردحا كبيرا من الزمن، وكلهم (تقريبا) ارتقوا سدة الحكم عبر انقلابات دموية تمت بدعم سافِر ومباشر من المخابرات المركزية الأمريكية، ومول أغلبها شركات احتكارية كانت تشترى هؤلاء الحكام وتصنعهم لكى يحموا مصالحها، ويمكنوها من الاستمرار فى نهب وسرقة ثروات بلادهم وعرق شعوبهم، ومن هنا جاءت تسمية «جمهوريات الموز» التى وصمت بلدان أمريكا الوسطى المعتمد اقتصادها على إنتاج الفواكه، وهيمنت على هذا الإنتاج شركات أمريكية عملاقة (مثل «يونايتد فروت»)، ظلت حقبا طويلة لها اليد الطولى فى إدارة شؤون الحكم فى هذه البلدان قبل أن تثور شعوبها على الديكتاتورية والاستغلال والتبعية معا، وتبنى نظما سياسية ديمقراطية متطورة تعمل وتجاهد الآن لانتشال مجتمعاتها من مستنقع التخلف والفقر والمهانة.. عقبالنا يا رب.
غير أن دواعى الاستقامة والأمانة تقتضى الإقرار بأن هناك فارقا جوهريا، معتبرا بين حكاية «شنطة رمضان» وما نقله أدباء أمريكا اللاتينية فى رواياتهم من مساخر مشابهة كان يرتكبها حكام «جمهوريات الموز» أحيانا، لتجميل وتغطية جرائمهم، هذا الفارق هو «رمضان» شخصيا، فمن المؤسف حقا أن الأغلبية الساحقة من سكان أمريكا الوسطى لا يعرف وربما لم يسمع أصلا باسم هذا الشهر الكريم، لكنهم غالبا يعلمون أن فى هذه الدنيا حاجة اسمها «شنطة» قد يستخدمها اللصوص والحرامية فى نقل وحفظ المسروقات.
وكل عام وأنتم بخير!!