ايجى ميديا

الأحد , 19 مايو 2024
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

إبراهيم عيسى يكتب: لا تزال أُمِّى تذكر حبيبتى القديمة

-  
إبراهيم عيسى

ينزلق الطريق الزراعى السريع عند البرج -الذى طار عنه الحمام منذ أبصرت عيونى خلف النظارة- إلى شارع أسفلتى يتقاطع مع اتجاهىّ الطريق، مؤديًا إلى مدينتى الصغيرة، لم أعد أعرفها إلا عندما يحتضنها الليل فى فراشه وصمته.


الكازينو السياحى الجديد يرسل بعضًا من أضوائه الصناعية إلى الطريق المحاصر بالأبنية الصغيرة، وخط السكة الحديد الذى ينتهى بمحطة القطار الفقيرة.


تقف السيارة عند محطة البنزين «مغلقة فى هذا الليل الشتوى» أهبط منها، حاملاً حقيبتى السوداء الصغيرة «تلازمنى حتى أفتقدها عند انعتاقى من عبوديتها اليومية»، أرفع على كتفى -وقد ظهر كشك محطة السكة الحديد يقف فيه العامل الليلى واضعًا كوبًا من الشاى على حافة الشباك- حقيبة سفر تغوص فيها ثيابى الملوّثة بالقاهرة، أصعد تلاًّ ترابيًّا، متعبًا مخنوقًا بساعة كاملة من التفرّع لأفكارى تحت سقف السيارة «البيجو» الُمحكم، أتجاوز شريط السكة الحديد.. قضبانًا، حديدًا ممدودة تائهة فى ظلمة متماسكة، أستبين لون إشارات القطار البعيدة للاتجاهين المتعاكسين، فى نظرة مختطفة كأنى أؤدّى واجبى نحو الموت.


أهبط تلاًّ ترابيًّا آخر، أجدنى على حافة حقل صغير يؤدِّى إلى شارعنا الأسفلتى الطويل، الحقل آخر ما تركته المبانى المتكاثرة شهادة على آثار الخضرة التى كانت هنا.. ثم سافرت إلى العراق وإلى الرحيل، عند المدق المصلوب فى الحقل يقف صبيّان يحملان كتبًا، عائدين من حصة درس متأخر، يصرخ الصبى فى هذا الليل المتآكل، تظهر صرخته مكبرة تلم هواء الحقل إلى زميله فى الناحية الأخرى، يجاوبه بالصراخ، أمر على مسافة صراخهما إلى شارعى، البيوت مغلقة، المحلات تفتح نصف أبوابها وأضوائها، يرعى أصحابها بضاعتهم وأحداث المسلسل التليفزيونى أيًّا ما كان فشله. أصل إلى منزلنا، تفرش مدخله الأضواء «يصر والدى الغائب على إضاءتها للعابرين فى الشارع، أدفع البوابة الخضراء، أصعد السلالم القليلة، أضغط على الجرس، يتأخَّر شادى كعادته فى فتح الباب، ينفتح، تحضننى عيون أخى المبتسمة، كيف حالك يا شادى؟ قبلة فى الهواء أو على خدّه «لا نهتم بإتمامها»، أدخل إلى الصالة، تصافحنى الوجوه الدافئة التى أحبّها وتحبنى، ترسمنى عيونهم فارسًا على حصان، بسيف وبسمة، بغزوة ونصرة، تلوننى قلوبهم مبتهجًا ومنطلقًا.. وجه أمى «يا وجه أمى» يبشّرنى بالجنة، ألثم كفها، رائقة هادئة تتلقانى، وفى عيونها ألف حكاية وتسعة أعشار أحاديثها المخزونة لى تتهيّأ للانفراج، أضع ذراعى على كتف أُختى القادمة من الإسكندرية، أسألها عن الحال، أبحث عن حذائى البيتى، تستنهض أُمّى شادى كى يجده مسرعًا، أخلع عنى ملابسى، كأنى أخلع عرق القاهرة، زحامها، طرقات المجلة الضيقة المقفلة، الابتسامات المدهونة، وجع قلبى، شارع قصر العينى المزدحم، غضبة صديقتى.


تسألنى أُمّى: هل تأكل أم تستحم أولاً؟ ينطلق بخار الماء الساخن فى الحمام، أخجل منه فأتعجّل سخونة الماء، تتكتّل أحداث يومى على كتفى العارى، أخرج من الحمام مثقلاً وعصبيًّا، لا أطيق الكلام الممدود، تضع أُمّى وجبتها الساخنة الطازجة الكاملة، تجلس عن يمينى تتابع طعامى، تحثّنى على إكمال وجبتى «وأكون قد أكملتها تمامًا» أطلب منها كى ثيابى، ينحنى رأسها وقد انكسر أملها.


- هل تذهب إلى القاهرة صباحًا؟


تضيف:


- انتظر معنا غدًا.. طيب اجلس حتى الغداء.


أردّ حادًّا كأنى أخشى ضعفى: لا.. عندى شغل.


تفرد بنطالى على المائدة، تمرر المكواة فوقه، تسألنى:


- هل كتبت لأبيك خطابًا؟ هل أرسلت إليه بطاقة معايدة؟ لقد اتصلت بك فى المجلة، لكن الأرقام كلها مشغولة.


كأنى أجرى من مدخل القاهرة حتى باب بيتى، فأشعر بالنعاس، تهم أُمّى بالاحتجاج ويشاركها غضب أخواتى:هل تنام الآن؟ امكث معنا قليلاً.. تصر أُختى الكبرى.. تحدَّث معنا يا أخى.. أفر من ضعفى لغضبى، يعنى ماذا أفعل؟


أتدثّر بالأغطية الثقيلة، أستيقظ من البرد، أصحو من النوم ملفوفًا بالقاهرة، بعيون البنت الجميلة، وضجيج صالة التحرير، وغضب رؤسائى، وجلسة مقهى الأصدقاء، وحزن منتصب القامة تحت عنقى، توقظنى أُمِّى وهى تقف عند باب الغرفة.. أضع كفّى تحت ماء الصنبور، تتمهَّل أُمّى حديثها لكنها تبدؤه، أمس رأيت.. أعرف أنها تقصد حبيبة قديمة.. ياه لا تزال تذكر حبيبتى القديمة.


ادع لى.


ألثم ظهر كفّها، أحمل حقائبى، وأمضى نحو البوابة الخضراء، أسير فى الشارع المؤدّى إلى المحطة، أعلم أنها خرجت إلى الشرفة وأخذت تتابع خطواتى، حقائبى.. حزنى.. وتدعو لى.

التعليقات