السيد الأستاذ الدكتور خالد حنفى وزير التموين (والثروة المعدنية غالبا) أدلى أول من أمس بتصريح «فنشكونى» خطير استهله حالفًا بالله العظيم تلاتة إن الأستاذ الدكتور المواطن المصرى الغلبان يستطيع من الآن وحتى يموت من الجوع أو من الضحك (أيهما أقرب) أن يدفع 75 قرشًا فقط لكى يفوز بكيلو فراخ يأكله هو وأولاده بالهنا والشفاء العاجل (!!) بمعنى أن الغلبان ذاك الطمعان فى الأكل من لحم فراخ الست الحكومة والأستاذ الدكتور وزيرها، إذا لم يكن معاه مبلغ الخمسة وسبعين قرشا «فكة» واضطر إلى إعطاء بائع هذه الفراخ الميرى جنيهًا معدنيًّا واحدًا (يشبه القرش القديم لكنه أقل منه قيمة) فإن البائع فى هذه الحالة سوف يكون ملزمًا ومضطرًا إلى أن يرد إليه 25 قرشًا من النوع المعدنى النادر الذى لا يكاد يُرى بالعين المجردة، وهنا لن يفلح عذر من عينة أن الأستاذ الدكتور البقال «ماعندوش فكة»، لأنه فى هذه الحالة قد يواجه خطر أن يذهب الزبون المسكين إلى محامى العائلة الكريمة البائسة ويطلب منه تحرير وتقديم بلاغ إلى النيابة العامة ضد الرجل الذى اختلس ربع الجنيه، أو يقيم عليه جنحة مباشرة بتهمة الإثراء غير المشروع والاستيلاء بغير حق ولا سند على القروش الخمسة والعشرين!!
طبعًا، نحن معشر المصريين كنا سنصدق معالى الأستاذ الدكتور الوزير إذا قال لنا الخبر من دون أن يسبقه بهذا القسم الغليظ، بيد أن هناك على ما يبدو، سببًا مجهولًا دفع جنابه إلى الشك فى أننا لن نصدقه وسنشك فى صحة خبره، فاستعان بالحلفان والجهر بأغلظ الأيمان لكى يقنعنا.. ومع ذلك فإنه هو نفسه عندما شرح الموضوع فى تصريحاته عينها بدا وضحًا أن فرخة معاليه ليست بهذا السعر التافه، وإنما كل ما فى الأمر أن أخاه المواطن سوف يدفع الخمسة وسبعين قرشا على سبيل الربح الحلال الذى لا بد أن يحصل عليه البقال، أما قيمة الفرخة وسعرها الحقيقى فسوف يخصم (كما قال هو نصًّا) من مبلغ الدعم العدمان (بضعة ملاطيش شهريًّا)، المخصص للأخ المواطن حتى يبقى على قيد الحياة الدنيا قليلا إلى أن يأتيه الملاك عزرائيل ويأخذه إلى حيث الراحة الأبدية.
والحقيقة أنه لا تعليق عندى على هذه الحكاية من أولها إلى آخرها، لكننى اضطررت إلى الرد على زميل سمعته يسخر بقسوة ومرارة من خبر معالى الأستاذ الدكتور وزير التموين والثروة المعدنية، وقد انبريت مدافعًا بحرارة عن جنابه عندما وصفه الزميل بأنه «بيستهبل الشعب»، إذ قلت منفعلا: يا رجل حرام عليك، ليس فى الأمر أى استهبال، وإنما الموضوع مجرد اختلاف بسيط فى زوايا النظر إلى السيدة الجليلة مصر وشعبها الغلبان، وما يحتاج إليه من فراخ وخلافه، لأن الثابت علميًّا وشرعيًّا أن تعدد وتباين وجهات النظر باختلاف زواياها وبلكوناتها هو جوهر الديمقراطية ومبرر وجودها أصلا، إذ غنىٌّ عن البيان أن الله تعالى خلق الناس والكائنات جميعًا على سُنّة «تنوع» الشبابيك والبلكونات التى يطلون منها على دنياهم وعلى بعضهم البعض، لهذا إذا أنت وأمثالك نظرت وتأملت فى منظر الشعب المصرى من شباك الجحر الذى تقيم فيه فسوف لا ترى سوى «صفين لولى» يزينان تلالا من البؤس والغم والهم والعدم، لكنك لو وضعت نفسك بالعافية مكان الأستاذ الدكتور الوزير ونظرت من بلكونة سيادته الفاخرة، وتفحصت منظر الأساتذة الغلابة سكان هذا البلد فستكتشف أن ما تسميه حضرتك استهبالا هو مجرد «استعباط» بسيط ورخيص قد يفيد ويساعد فى التخفيف من معاناة هؤلاء السكان، وربما يقرب يوم خلاصهم وموتهم من الضحك.