جورج سيدهم هو أيقونة رمضان، كان وجهه يشع رضا ونورًا ليحوى كل الكون، يطل علينا من عالمنا، بينما كان فؤاد المهندس هو أيقونة رمضان الماضى أطل علينا من العالم الآخر، كل هذا الضياء يا جورج يفيض به وجهك على كل المصريين.
المشترك بين فؤاد وجورج هو صفة الفنان الدافئ، لدينا عشرات من فنانى الكوميديا انتزعوا الضحكات عبر التاريخ، لكننا فقط لا نملك سوى دافئين، ليست مفاجأة كما يحلو للبعض أن يفسرها، أبدًا ليست المفاجأة أن جورج على قيد الحياة، لو كان ذلك صحيحا لانتهى الموقف سريعا كخبر، ولم يترك هذا الإحساس العميق، إنه شعاع خاص لجورج وزمن استعدناه فى ملامحه، جورج حاضر فى الحياة، محتفظ بكل قواه العقلية والإدراكية، فقد جزءًا كبيرًا من القدرة على الحركة، لكن لا يزال متابعا جيدًا لكل ما تبثه الفضائيات. أحرص بين الحين والآخر على أن أستمع إلى صوته فى الأعياد، مستعينا بزوجته. كثيرون يتوجهون بالشكر والعرفان إلى زوجته الصيدلانية، د.ليندا، حيث تزوجا، بينما كان جورج مضربًا عن الزواج، شاهدها فى الصيدلية، فأصبحت دواءه الدائم، وبعد سنوات قليلة أقعده المرض. الزوجة المحبة منحت الكثير لجورج، ولا يدركون كما قالت لى هى أكثر من مرة أن جورج يمنحها ما هو أكثر.
كنت قريبًا من جورج فى بداية زواجه، ووجّه لى الدعوة لحضور فرحه فى الكنيسة، وبعدها فى أحد الفنادق الكبرى، أتذكر جيدًا أن شفيق جلال غنى لصديقه «شيخ البلد خلف ولد»، ثم استبدلها فى الإعادة «قسيس البلد خلف ولد».
وكنا نضحك على تلك الطرفة، لم يترك لنا جورج سيدهم رصيدًا كبيرًا بالعدد، لكن ما أبدعه نحنّ إليه كثيرًا، هل هو حنين مطلق إلى الماضى «نستالجيا»، ليس كل ماض بالضرورة جميلا، ولا هو أيضا كان جميلا فى زمنه، ولا كان يقابل بترحاب وقبول، جورج وسمير والضيف الثلاثى الذى أحبه جيل الستينيات ظهروا بعد جيل من نجوم كوميديا الخمسينيات، الذين كانوا أولاد الميكروفون نجوم «ساعة لقلبك»، هذا البرنامج الذى شهد انطلاق عبد المنعم مدبولى وفؤاد المهندس وأمين الهنيدى ومحمد عوض، و«أبو لمعة» محمد أحمد المصرى، و«الخواجة بيجو» فؤاد راتب، و«شكل» محمد يوسف، و«الدكتور شديد» محمد فرحات، وأسماء عديدة أخرى، بعدها بسنوات قليلة ومع مطلع الستينيات ظهر هذا الثلاثى باعتباره معادلا موضوعيا لزمن التليفزيون. الثلاثية تعنى أن تُضحى بنجوميتك كفرد لصالح المجموع، كان الجمهور ينقسم فى حبه بين الثلاثة، جورج بملامح الطفولة التى لم تغادره حتى الآن، ينشرح قلبك بمجرد رؤيته، الضيف أحمد أقلهم جسدًا، وكنا نراه العقل المفكر للثلاثى، فهو يجيد منح الآخرين الفرصة لتحقيق الضحكة، سمير غانم الطويل الأصلع، قبل أن يرتدى الباروكة القادر على سرقة الضحك، ومن خلال فوازير الأبيض والأسود، كانت هى الملعب الأساسى عندما وقع اختيار المخرج محمد سالم عليهم ومعهم الشاعر خفيف الظل حسين السيد، الذى كان يكتب على الهواء، كان جورج لديه حالة من الشجن النبيل يمنحها للشخصية، أتذكر دوره فى إحدى الفوازير أحدب نوتردام فكان ينشد «يا بختك يا حجر يا ريتنى كنت قاسى وقلبى من حجر يا بختك يا حجر»، المساحة الإبداعية التى تحرك فيها جورج على ضآلتها تألق فيها مثل فيلمى «الشقة من حق الزوجة» لعمر عبد العزيز و«الجراج» لعلاء كريم، حضور دافئ على الشاشة، ولا يزال نابضا بالحياة.
لا أحد يصادر على الزمن القادم، ولا نعلم بالضبط ما الذى تخبئه الأيام حتى لو كان الطب قد قال كلمته، سكن قلوبنا فى رمضان وميض الرضا والنور على وجه جورج سيدهم أشعر أن هذه الومضة ستبرق مجددًا!