أزمة الجزء الثانى من مسلسل «شارع عبد العزيز»، هى صورة مستفزّة لحالة من حالات الفساد، التى أحبطت الإبداع فى مصر كلها، فى ربع القرن الماضى، ووضعت حاجزًا هائلًا أمام قدرتها على الانطلاق واللحاق بركب التطوّر.. مشكلة ملكية فكرية، انتبه دستور ٢٠١٤م لخطورتها، وأثرها على نمو الوطن، فأفرد لها بندًا من بنوده، ولأول مرة فى تاريخ مصر..
مشكلة نمت مع الاستيلاء الممنهج على الملكيات الفكرية، وقصور النظام القضائى فى فهمها وإدراك خطورتها والتعامل معها على نحو لائق، يضمن القضاء عليها أو تحجيمها مستقبلًا.. السرقة الأدبية واضحة وضوح الشمس هذه المرة، مع استخدام الاسم والشخصيات، واستكمال الأحداث، دون الرجوع إلى مبدع العمل الأصلى، ودون حتى المبالاة باعتراضاته.. الأمر كان أن المنتج يخرج لسانه للقانون والدستور، ويتبع مبدأ «اضرب دماغك فى الحيط»، والذى أنشأ عصر البلطجة، الذى ثرنا عليه!!
العدالة الاجتماعية أيها السادة، تعنى فى بند أساسى من بنودها، أن لا يملك الغنى حق التجبّر على الآخرين، لمجرد أنه صاحب المال.. ولهذا بالذات صدرت قوانين حماية الملكية الفكرية، لكى تحمى المبدع من صاحب رأس المال وجبروته.. ولو تركنا هذا الجبروت بلا محاسبة قوية صارمة، تكسر وسط المتجبّر، فلا أمل فى الإبداع والابتكار والتنمية فى مصر.. فما الذى يشجّع أى مبدع أو مبتكر على الإبداع أو الابتكار، إذا ما كان أى صاحب رأسمال يستطيع الاستيلاء على نتاج إبداعه وابتكاره، بما لديه من أموال، من المحتم أن نصفها مر من تحت أنف الدولة، دون أن يسدّد عنه ضرائبه؟!
مشكلة «شارع عبد العزيز»، الذى لا أعرف مؤلفه، أو ألتقى به، أو أتحدث إليه حتى هاتفيًّا قط، هى فى واقعها ليست مجرد مشكلة استيلاء على مصنّف فنى، بل هى قضية استيلاء على أمل مصر فى النمو، والسعى إلى المستقبل.. هى إرهاب فكرى بسطوة المال، لا يقل خطورة عن إرهاب القنابل والمولوتوف، فكلاهما يعيق خارطة الطريق للمستقبل.. وكلاهما يستحق أن نتصدى له بكل القوة.. وإلا فلماذا البند عن حماية الملكية الفكرية فى الدستور؟! قوانين الملكية الفكرية تتضمَّن فى بنودها الحبس والغرامة، وهذا بخلاف الحق المدنى والتعويض المالى والأدبى، والأمر لن ينصلح، أو يبدأ رحلة الإصلاح، إلا بتفعيل بند الحبس، وفتح حدود التعويض المادى، من دون حد أقصى، بحيث يدرك كل مَن يحاول البلطجة على حق الملكية الفكرية، من منطلق سطوة المال، أنه سيخسر الكثير والكثير جدًّا من المال، إن لم يلتزم بالقانون، الذى يفترض فيه أن يكون على رقاب الجميع، ومانح الحق لذوى الحق، مهما بلغ ضعفهم، ومنتزع الحق ممن يحاول الاستيلاء عليه، مهما بلغت قوته.. إنها لعبة مال وسطوة، وعلينا أن نلعبها بنفس القواعد..
ننتزع المال من المعتدى، ونثبت له أن سطوة القانون فوق كل سطوة.. بهذا فقط تبنى الدول هيبتها، وتثبت سطوتها وقوتها.. بالقانون.. القانون الذى لا يعرف غنيًّا من فقير، ولا قويًّا من ضعيف.. ساعتها لن تكون هناك بلطجة أدبية، وسينطلق الإبداع والابتكار بلا حدود، وستنمو مصر بإبداعات شعبها، من دون بلطجة أو تجبُّر.. أو «شارع عبد العزيز».