الوقت فى رمضان يجرى على رهوان.. حقيقة وليس مثلا شعبيا.. ومنذ عدة سنوات، صار من المعتاد أن يتخم وقتنا بعدد كبير من المسلسلات، تتنافس فيه القنوات، ويضيع وقت الناس فى تقليب القنوات، وتفوق رابطتهم مع الريموت، رابطة صلة الرحم، حتى مع أبنائهم.. ولأن المسلسلات أكثر مما ينبغى، اعتدت أن لا أتابعها، لأن وقتى لا يسمح بالارتباط بمتابعة شىء ما.. ولكن جذبتنى ثلاثة مسلسلات، رغمًا عنى هذا العام، أحدها قصة الراحل ممدوح الليثى، والتى كافح طويلا لعرضها، ولم يكتب لها الخروج إلى النور، إلا بعد رحيله، بسيناريو وحوار محمد ناير.. ولأننى عشت فى صباى الفصول الأخيرة من تلك المرحلة، جذبنى فى شدة مسلسل «صديق العمر».. الإخراج المبهر للصديق العزيز عثمان أبو لبن، موفق للغاية، خصوصا مع الفكرة العبقرية فى اختيار الألوان، فى مسطرة خاصة، على حافة الأبيض والأسود، بحيث يضفى على المسلسل ملامح تلك المرحلة التاريخية، التى غيّرت الكثير من أبجديات المرحلة، مع الاحتفاظ بلمحة لونية حديثة، فى الوقت ذاته.. النجمة درة، على الرغم من أنها لا تشبه الراحلة برلنتى عبد الحميد، فإنها نقلت لنا مشاعرها على نحو ممتاز، وجمال سليمان جعلوه يشبه جمال عبد الناصر، ولكن هيئته لم تنجح فى استكمال الصورة، على الرغم من براعة سليمان، وموهبته التى لا جدال فيها، وهذا طبيعى، لأن كاريزما ناصر لا يمكن استنساخها، مهما بلغت براعة وخبرة وموهبة من يتقمصها.. الاستمتاع الحقيقى كان مع أداء العملاق باسم سمرة، الذى غاص فى شخصية عبد الحكيم عامر، وامتصها كإسفنجة جافة، ليخرجها فى أداء تمثيلى مرعب، لا يسعك إلا أن تجلس أمامه مبهورًا منتشيا، ومتسائلا: كم تبقى أمام باسم، ليصل إلى العالمية؟!.. هذه ليست مجاملة للصديق العزيز باسم سمرة، ولكنه رأى حقيقى مئة فى المئة، أدركته خلال لقائى الأول معه، خلال ندوة فنية، منذ بضع سنوات، وصفته خلالها بأنه الأسطورة القادمة فى السينما المصرية.. واليوم أدرك كم كانت رؤيتى صحيحة فى ذلك الحين.. «صديق العمر» أحد ثلاثة مسلسلات أتمتع بها فى نهار رمضان، لأنه أيضا يعيد إلى ذاكرتى أحداثا عشتها فى صباى وحداثتى، وكان لها تأثير كبير فى تاريخ مصر، وفى مرحلة شبابى ورجولتى أيضا، وإن كان السيناريو متحيزًا لعامر، على حساب ناصر.. المسلسل يضم أيضا عددًا كبيرًا من الوجوه، التى تم وضعها فى الأدوار المناسبة تماما، وأتابع فيه فى استمتاع تلميذى مصطفى الريدى، الذى توقّعت له النجاح منذ سنوات، مع بداياته الفنية، فى الدراما التليفزيونية.. تحية لكل من أسهم فى هذا العمل، وعلى رأسهم عثمان أبو لبن، وباسم سمرة.. صديق العمر.
نبيل فاروق يكتب: صديق العمر..
مقالات -
د. نبيل فاروق