أول حكومة فى عهد السيسى رفعت أسعار الطاقة.. هذا أزعج كثيرين، وأغضب عديدين.. وأسعد الأكثر.. أسعد معارضى السيسى، الذين وجدوها فرصة ليقولوا للآخرين فى تشفٍّ (شفتم.. اشربوا بقى).. وأسعد الإخوان وأنصارهم أيضا، إذ وجدوا فيها فرصة لتحقيق حلمهم، الذى يوقظهم مبلولين كل ليلة، وهو أن يقلبوا الشعب ضد السيسى.. وأسعد التجار الجشعين، وسائقى الأجرة المستغلين، لأنه سيعود عليهم بكثير من الربح، من دم الشعب.. كل هؤلاء سعدوا وفرحوا، لأن آخر ما يفكرون، أو يمكن أن يفكّروا فيه هو مصر وشعبها.. بل على العكس تماما، إنهم يفكرون ليل نهار فى تحطيم مصر، وإذلال شعبها، وطمس هويّتها، عقابا لها على رفضها الذل والعار والهوان.. فصحيح أن رفع الأسعار معاناة للناس، ولكنه ضرورة حتمية، حتى لا يعانى الناس أضعافا مضاعفة، بعد بضع سنوات.. دعم الطاقة مشكلة رهيبة، تلتهم كل خطط مصر للتنمية، وكل فرصة لها، للخروج من حالة العوز والحاجة، كما وصفها الرئيس السيسى.. إننا حقا فى مفترق طرق.. إما أن نصعد، وإما نهوى بلا رجعة.. مزيد من الدعم فى هذه المرحلة، سيعنى انعدام فرصة الصعود، وارتفاع نسب الهبوط، إلى مستويات مخيفة.. لذا فقرار الرفع الجزئى للدعم، على الرغم مما سيمثله لى ولغيرى من أعباء إضافية، هو أعظم قرار اتخذته حكومة، منذ نصف قرن.. قرار شجاع، يواجه المشكلة المزمنة بلا خوف أو مواربة، بهدف إنهاء خطأ فادح، استمر طويلا وآذَانَا كثيرًا.. وليس أمامنا من سبيل، لو أردنا المستقبل، سوى أن نواجه مرضنا فى شجاعة.. الشعب الذى يخسر ويستدين فى كل موازنة هو شعب بلا أمل أو غد أو مستقبل.. وكل بناء له ثمن.. ولكل نمو فاتورة.. حتى الإيمان بالله سبحانه، له ثمن وفاتورة.. الثمن هو أن تدخل الجنة، والفاتورة هى أن تمتنع عن كل ما يحول دون هذا.. وثمن دخول الجنة هو اتباع ما يرضى الله عز وجل، والابتعاد عن كل ما يغضبه.. ومستقبل مصر هو جنّتها، التى لا بد لدخولها من ثمن وفاتورة.. والثمن هو أن نحتمل ونصمد، حتى نتجاوز غمة عنق الزجاجة.. لو احتملنا وصمدنا نكون قد سدّدنا الفاتورة، وانتقلنا إلى خانة الثمن.. وفى خانة الثمن، لا بد من اتخاذ خطوات قوية عنيفة.. لا بد من شن حرب شعواء على الفساد والفاسدين.. لا بد من تفعيل قانون (من أين لك هذا) بكل شراسة، بحيث يتعين على كل من يشغل، أو شغل منصبا أو وظيفة عمومية، منذ عام ١٩٨٠، أن يقدّم إقرارا بذمته المالية، وذمة زوجاته وأبنائه، مع تحديد مصادر واضحة لتبرير ممتلكاته وممتلكاتهم، ومصادرة كل ما يعجزون عن إثبات مشروعيته وقانونيته.. هذا سيعيد للدولة مليارات منهوبة، قد تفوق كل ما يمكن تصوّره، بالإضافة إلى أنه سيبث الرعب فى قلوب الفاسدين، الذين بلغوا بفسادهم مرحلة الوقاحة والبجاحة وقلة الحياء، و... للفاتورة بقية.
نبيل فاروق يكتب: الفاتورة «1»
مقالات -
د. نبيل فاروق