عندما وافقت على الاشتراك فى بطولة مسلسل «سرايا عابدين»، هل حسبتها يسرا صح؟ نظريا نعم صح جدا، كان ينبغى أن تنسى مولد كل سنة الذى تقيمه فى رمضان، وتقدم فى كل مرة شخصية تمتلك الشاشة 30 حلقة، وسط ترحيب صحفى مبالغ فيه، بينما لو حاولت التدقيق فإنك لن تجد فارقا فى طبيعة الأداء ولا تركيبة الشخصية الدرامية التى قدمتها فى العام السابق أو الأسبق، إنها الطيبة والمضحية والجدعة، حالة التشبع باتت واضحة جدا فى مسلسلات مثل «أحلام عادية» و«شربات لوز» و«خاص جدا» و«نكدب لو قلنا ما بنحبش»، وغيرها وغيرها، ربع قرن من الزمان تُقدم للناس فى البيوت نفس الطبخة، فكان ينبغى كسر الملل وتغيير الحلل!!
جمهور الشاشة الصغيرة عِشرى جدا، هذه حقيقة، وكثيرًا ما يُبقى على النجم من أجل العيش والملح، ولكن إلى حين، ويسرا ربما أدركت أن الحين قد حان.
راجعوا فقط ما حدث لنادية الجندى ونبيلة عبيد وفيفى عبده، كُنَّ أوراقا رمضانية دائمة، ثم استغنى عنهن الجمهور، يسرا فى توقيت ما حرصت على تغيير دمائها بالمخرج خالد مرعى، وقبله بالكاتب تامر حبيب، فقدما لها مسلسلا -أو اثنين- يشبه بالضبط ما تعودت عليه، ومارسا التفصيل على مقاسها، وخسرا بقدر ما خسرت، والدليل أن خالد مرعى عندما تحرر من هذا القيد قدم العام الماضى «نيران صديقة»، وهذا العام «السبع وصايا»، مسلسلين لهما سحر خاص ونبض عصرى.
هذا العام قررت يسرا الانتقال إلى المرحلة الثانية، وأن تقدم قضية وحدثا، وليست الشخصية، ووقع اختيارها على «السرايا» التى يتوفر فيها أيضا الإحساس بعبق التاريخ، حيث نعود إلى نهايات القرن التاسع عشر، وتؤدى شخصية خوشيار هانم، دور رئيسى ضمن أكثر من عشر شخصيات رئيسية، وكان عليها أن تتقبل أول شرط فى البطولة الجماعية، وهو أن تتخلص من أكبر عيب تعودت عليه الدراما التليفزيونية، وهو أسوأ استخدام لحرف الجر «فى»، كانت القاعدة طوال ربع قرن هى يسرا فى، وبعد ذلك تكتب «ظهور خاص» للنجمة الفلانية، أو «بالاشتراك مع» النجم العلانى، النجومية التليفزيونية مرهونة بتوفر حرف «فى»، كل نجم أو نجمة يقيس نجوميته يهذا الحرف، حتى ممدوح عبد العليم العائد بعد غياب فى «السيدة الأولى»، عندما شارك غادة عبد الرازق البطولة، تصورت أنه سيحظى بوضع اسمه مثل غادة قبل «فى»، ولكنها استحوذت عليها بمفردها، وجاء اسمه بعد «فى»، سأتناول فى مقال قادم «فى»، وما فعلته فى تدمير الدراما.
نعود الآن إلى يسرا بعد أن أجبرت على أن تُضحى بحرف «فى» من أجل دخول السرايا، هناك أبطال.. غادة عادل ونيللى كريم وكارمن لبس ونور، وغيرهن، كلهن بمساحات فى الدراما، ماذا تفعل يسرا إذن، سوف تقول لديها «أمان ربى أمان»، على كام «يوك»، «أدب يوك»، وإذا أردت قليلا من التغيير فأمامك «سيس»، «أدب سيس».
من تعودت على أن تملأ كل المساحة كيف تقبل بأن تصبح جزءًا من الصورة، من المستحيل بالطبع زيادة الدور، ولكن ممكن زيادة التحابيش، وما أدراكم ما التحابيش، إنه التنميط الذى يحيل الشخصية إلى «كاراكتر»، يخرجها عن إطار المصداقية التى من المفترض أن تتحلى بها. كثيرًا ما تذكرت الراحلة مارى منيب وهى تقطر خفة دم فى مسرحية «إلا خمسة»، بطولة عادل خيرى، ربما سيطرت مارى منيب على يسرا لا شعوريا، وتردد بداخلها جملتها الشهيرة «إنتى جاية تشتغلى إيه»، فأرادت يسرا أن تؤكد للجميع أنها جاية تشتغل ممثلة فى خوشيار باشا.
مع مارى منيب بالطبع كنت وما زلت أضحك، ولكن مع يسرا يصبح الأمر «أمان ربى أمان»، «أداء يوك»، كوميديا سيس!!