وضَعَ كل بلد لمستَه الخاصة على الإسلام، فأصبحت هناك نسخ عديدة، قلبها واحد لكنها متعددة المذاقات، أنا شخصيًّا مفتون باللمسة المصرية، وتأسرنى بساطتها وتعصُّب المصريين فى التمسُّك بها، انحناءة الصلاة ليست الوحيدة التى يراها المصريون انحناءة العبادة، عندك انحناءة عدل الشبشب المقلوب، أو انحناءة التقاط كِسرة الخبز من على الأرض.
نحن شعب يتعبّد بالقبلات، قبلة أول رزق فى اليوم قبل أن تستقر تحت شماسة التاكسى، أو تقبيل الكف «وش وضهر» قبل مغادرة فرشة الطعام، وهناك الصنايعى الموهوب الذى ما إن يعجبه عمله حتى يقبل أصابع يده واحدًا تلو الآخر.. تلقائية أن تقبِّل المصحف ما دام مر فى يدك ولو بالصدفة فى الطريق لواحد يطلبه.
عد النقود بطريقة «الله واحد مالوش تانى»، الإيمان بأن التكبير فى الأذن يعيد مَن فقد وعيه إلى الحياة حتى لو كان فى غيبوبة سكر، الوقوف لنعش يمر فى الطريق العام مع التلويح بأصبع التوحيد، الأصبع الذى لا يستقر على حال فى أثناء التشهُّد، وكلّما تحرَّك كلما شعر الواحد باندماجه فى الصلاة، تقسيم المحبَّة فى ميدالية فضية من نصفين: «لا إله إلا الله» و«محمد رسول الله» إنها أيقونة التلاقى من جديد مهما طال الفراق.. الخوف من أن يحل غضب الله إذا ما قلت «أنا» والعياذ بالله من قولة أنا، الاستعانة بحول الله فى الاصطباحات المقلقة «اصطبحنا واصطبح الملك لله»، الإيمان بأن مفتاح الفرج فى يديك «فكّها علشان ربنا يفكّها علينا»، مهارة عد النعم مهما كان الحال بائسًا بالمقاييس البشرية «ربنا مشحتنى حاجات كتير»، أيقونة البركة التى تضاعف الطعام باللمة، وتجعل نظرية «ربنا مش مبارك» تفسيرًا لتدهور أحوال كل مَن سلك الطريق الشمال، كان ياما كان وأصلا أصلا لا يحلو الحديث إلا بذكر النبى، عليه الصلاة والسلام، والعين صابتنى ورب العرش نجّانى، ذلك لأن «يقينى بالله يقينى» وربنا لما قسم العقول كل واحد عجبه عقله، وعندما قسم الأرزاق أُعجب كل واحد برزق غيره، وسؤال قديم لجدتى فى الطفولة «هو ربنا بيشتغل إيه؟» فقالت لى «بيرزق الناس يا حبيبى».
المايوه الشرعى ذو الست قطع، الفرح لا بد أن يبدأ بأسماء الله الحسنى حتى ولو كان كل من فى الفرح ينتظر البهجة مع أغنية «أنا شارب 3 ستيلا»، النبى قبل الهدية وجوّزوهم فقرا يغنيهم ربنا والأم فى قبرها بتدعى لابنها، لأن رضا الرب من رضا الأب، ما عفريت إلا بنى آدم، مع إن العفريت مذكور فى القرآن «قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإنى عليه لقوى أمين»، نحن مرفأ آل البيت الذين لم يجدوا أمانًا قدر الذى وجدوه فى مصر لدرجة أن المصريين من فرط المحبَّة كانوا يمنعونهم من الرحيل عن البلد إذا فكَّروا فى ذلك.
فرحة الهدف لم يعد لها معنى ما لم تبدأ أو تنته بالسجدة، يمكنك أن تنصرَّف وتغلق محلك تاركًا بداخله الراديو مفتوحًا على إذاعة القرآن الكريم، الاقتباسات موجودة حتى فى الأمثال «لو نسيت الفاتحة تصلّى بإيه؟»، وفى مشاجرات التوك شو «ما تعاملنيش بطريقة لا تقربوا الصلاة»، وفى أسماء المحلات والشركات والأحزاب بداية من «التوحيد والنور» نهاية بـ«النور»، مرورًا بـ«الصفا والمروة» و«كبابجى الإيمان» و«بقالة الصحابة» و«صيدلية الشيماء» و«برج الصابرين».
التقى الشاعر إبراهيم ناجى بشخص ملحد، يقول إن الأصل فى الكون هو الطبيعة وظل يردّدها، فقال له ناجى: أنا عايز أفهم حاجة لما تبقى بتسمع أم كلثوم وتتسلطن بتقول الله الله يا ست ولّا بتقول الطبيعة الطبيعة يا ست؟ الكفر عندنا لا يتعلّق بمسألة التوحيد، بل إنه يضع شروطًا أصعب من ذلك كثيرًا، فعدم الرضا عن النعم كفر وإيذاء الآخرين كفر، وقلة الصبر فى المصائب كفر، طيب وحِّد الله.
اقرأ المعوذتين فى سرّك وأنت داخل الفرح، وإذا قابلك كمين قول فى سرّك «فأغشيناهم فهم لا يبصرون»، وأنت داخل على الإنترفيو بص فى عين المدير وقول فى سرّك «الله أكبر»، وماترميش الورق ليكون فيه اسم ربنا، اللى مات ربنا افتكره ومَن اغتنى ربنا فتحها عليه ومَن مرض ربنا بيطهره من الذنوب والمبتلى ربنا بيختبره والغائب ربنا يرجعه بالسلامة والغلطان ربنا يسامحه، فإن ساق فى الغلط يبقى ربنا يورّينى فيه يوم فإن استحلى العملية فـ«ربنا ياخده» وعمومًا إحنا مخلوقين علشان نقول بس الحمد لله، ماتوقفش فى وش اللى بيصلّى يا ولد، وسمّى قبل ما تاكل يا بنى آدم، وسلِّم على عمو.. السلام باليمين يا جحش.
أنا أحب هذا البلد وأحب روحانياته بما فيها من شطط أو سذاجة، ربما يدهشك أداؤه، لكنه شعب صادق فى كل ما يفعله، شعب لديه رغبة فى أن يتعلَّم، لكنه منذ قديم الأزل يتميَّز بأنه يفتح قلبه لدروس الفطرة ويغلقها بالضبة والمفتاح أمام دروس الخرزانة.