تفصيلة دقيقة توحى بموافقة عبد الناصر على ارتداء ابنته فستانا فوق الركبة، بينما ابنة المشير تخشى، لأن والدها صعيدى، تحول هذا الحدث الهامشى إلى سجال فضائى وأنكره جملة وتفصيلا عبد الحكيم عبد الناصر، بينما سامى شرف، سكرتير الرئيس عبد الناصر تدخل طرفا، مكذبا الواقعة على صفحات «الأهرام» وأكد أن ناصر صعيدى أكثر من عامر وجوانى أكثر من عامر، رغم أن الأمر أبسط من ذلك بكثير، فلا الرئيس ولا المشير كانت تفرق معهما فى بداية الستينيات، لأننا كنا نعيش فى مجتمع لا يستوقفه أبدًا موقع الفستان من الركبة سواء كان صعيديًّا ولاَّ بحيريًّا ولاَّ الهوى رماه.
هل انحاز مسلسل «صديق العمر» إلى عامر على حساب ناصر؟ وهل هناك دوافع خفية للنَّيل من جمال الذى صار أيقونة ثورتى 25 و30؟ بالتأكيد ليست مؤامرة بقدر ما هو تماثل مع الرواية الشعبية التى ترى أن المشير تحمل بمفرده تبعات الانفصال عن سوريا وتورط الجيش المصرى فى حرب اليمن وهزيمة 67. صناع المسلسل كانوا حائرين بين الوثيقة والحكاية الشعبية التى بطبعها تحمل الكثير من المبالغات. حتى الآن يبدو أن أسرة عبد الناصر هم الأشد غضبًا بينما بدأ الإعلام يحتفى بأسرة عامر وهم يعلنون سعادتهم، خصوصًا ابنه عمرو من زوجته برلنتى عبد الحميد التى أصدرت كتابين عن المشير تنفى فيهما انتحاره، والمسلسل حرص على أن يقدمها فى دور الفنانة الملتزمة، حتى إنها رفضت سهرة دعاها إليها دونجوان السينما المصرية رشدى أباظة، بينما ظروف لقائها مع المشير جاءت من خلال علاقتها مع صلاح نصر، وما أدراك ما صلاح نصر.
الناس تترقب لقطة الذروة للإجابة عن هذا السؤال: هل انتحر المشير كما تقول الرواية الرسمية بعد أن وضع لنفسه سم سيانيد البوتاسيوم فى عصير الجوافة، أم أن هناك من دس له السم فى إطار مؤامرة محبوكة؟ لا يمكن لأحد فى هذه الحالة أن يبرئ يد ناصر من دم عامر، السيناريو كما كتبه الراحل ممدوح الليثى عندما كان خالد يوسف مرشحًا لإخراجه كفيلم تضمن النهايتين معًا، لكنى لا أتصور أن الأمن القومى يسمح بروايتين ستظل الرسمية المعتمدة التى تؤكد الانتحار هى فقط المسموح بتداولها، ولهذا فإن قطار الغضب سوف يلحق به أيضا فى نهاية الحلقات ورثة عامر.
مؤشر المشاهدة كان قد توقف عند تلعثم جمال سليمان فى أداء دور عبد الناصر. يحاول صُناع المسلسل الترويج بأن سليمان كان بطلا عندما وافق أن يلعب الدور، رغم تخوف عديدين من قبله، هل هذه بطولة أم تهور؟ عندما تصبح كل المعطيات النظرية مؤدية إلى الفشل، فما الجدوى من أن يُلقى نجم محبوب بنفسه إلى التهلكة؟
وبالمناسبة، ليس أحمد زكى هو الحاجز الذى يقف حائلا أمام كل من يريد أداء دور عبد الناصر، رغم نجاح أحمد الجماهيرى، فهو ليس من أفضل أدواره وإن كان هو أفضل من أدى دور عبد الناصر حتى الآن رغم خضوعه هو والمخرج محمد فاضل فى «ناصر 56» للتماثل الشكلى، بينما كان مقنعًا أكثر فى دور السادات مع المخرج محمد خان «أيام السادات»، ورغم ذلك فإن النجاح التجارى للفيلمين لا يعنى أنهما ذروة أحمد زكى، الذرى تجدها فى «زوجة رجل مهم» و«البواب» و«البرىء» و«كابوريا» و«النمر» وغيرها، عبد الناصر لا يزال ينتظر من يؤدى دور عبد الناصر.
الكارثة الكبرى كانت فى انحياز المسلسل للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الذى يشعرك وكأنه يحكم مصر، وهى الخطيئة الكبرى التى تسىء ليس فقط لناصر ولكن لمصر. وتلك قصة أخرى.