وصف الدبلوماسي الأمريكي نيكولاس بيرنز موقف الرئيس باراك أوباما والأحداث في العراق بالدراما الشكسبيرية. وأوضح في مقال نشرته صحيفة "بوسطن جلوب" قائلا, منذ دخوله البيت الأبيض حدد أوباما سياسته الخارجية بوضوح من حيث استهداف الخروج من العراق, وكرئيس التزم بذلك فعلا معلنا أن زمن الحرب قد ولى.
حتى كان استيلاء مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على مدينة الموصل العراقية مهددين بالزحف إلى العاصمة بغداد, واضعين العراق على شفير حرب أهلية تنذر بتقسيم البلاد.. ليجد أوباما نفسه مضطرا لإعادة النظر وإرسال 600 مدرب أمريكي وقوات أمنية إلى بغداد بالإضافة إلى طائرات بدون طيار وحاملة جنود قبالة الشواطئ العراقية استعدادا للتدخل إذا لزم الأمر.
ورأى بيرنز أن أوباما لم يكن لديه خيار آخر، في ظل تعرض المصالح الأمريكية للخطر بمنطقة الشرق الأوسط المستنزف منذ ثلاث سنوات ونصف بالثورات والحروب الأهلية وعمليات النزوح وأعمال العنف.
وقال الدبلوماسي الأمريكي إن الشرق الأوسط يمر بلحظة محورية في تاريخه الحديث، منذ اندلاع الثورات في كل من تونس ومصر وسوريا وليبيا وغيرها, والدول العربية الاثنتين وعشرين تتردى أحوالها.. ورأى بيرنز أن تونس والمغرب ربما كانتا الأكثر ديموقراطية واستقرارا.
والتفت إلى مصر, الدولة المحورية بالمنطقة, ورأى أنها استكملت الدائرة 360 درجة... ثم اتجه إلى سوريا, قائلا إن الحرب الأهلية شردت نحو نصف أبنائها وتركتهم في حالة إنسانية تفطر القلب..ورصد التهديدات باستشراء السرطان السوري وتهديده لكل من الأردن ولبنان والعراق.
ولم يفت الدبلوماسي الأمريكي الحديث عن إسرائيل التي تدهور وضعها الأمني على نحو دراماتيكي بحد تعبيره, وقد باتت تتلقى تهديدات من كل حدودها... ورصد بيرنز تحذير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين تنياهو مؤخرا مما وصفه ب` "الإسلام الراديكالي" والذي بات على مشارف إسرائيل.
ورأى بيرنز أن أخطر ما رمت به أمواج الأحداث الأخيرة بالمنطقة هو ظهور تنظيم (داعش) وإعلانه الخلافة شمالي سوريا وجنوبي العراق.. وحذر بيرنز من أن سيطرة الدواعش على هذه المنطقة يهدد بزعزعة الاستقرار في المنطقة لسنوات عديدة مقبلة.. ونوه في هذا السياق عن استغلال الأكراد للظروف وسعيهم نحو إعلان دولتهم المستقلة المنشودة.
وحذر أيضا من أن تؤدي الحرب الشرسة بين السنة والشيعة إلى تزايد النفوذ الإيراني في بغداد وجنوب العراق.. ورأى بيرنز أن أسوأ ما يمكن أن تؤول إليه هذه الأحداث هو تفتيت العراق, وهو ما يعني تهديد النظام الحديث للدولة في منطقة الشرق الأوسط.
وعن الموقف الأمريكي من هذه الأحداث, قال بيرنز إن واشنطن تواجه العديد من العقبات والتحديات على هذا الطريق.. إن أوباما كرq مoهرولا إلى ساحة العراق التي كافح من أجل خروج القوات الأمريكية منها بالأمس القريب في2011.
وأوضح صاحب المقال أن أوباما ووزير خارجيته جون كيري اعتمدا في البداية النهج الدبلوماسي الضاغط بدلا من اللجوء للقوة, على أمل رضوخ رئيس الوزراء العراقي الفاقد مصداقيته نوري المالكي وتقديمه الاستقالة.. ورصد بيرنز أيضا ضغوطا من جانب كيري على الأكراد للبقاء في حضن الدولة العراقية والانضمام لحكومة وحدة جديدة.
ورأى بيرنز أن أوباما محقا في مقاومة فكرة معاودة إرسال قوات أمريكية إلى الأراضي العراقية... لكن إذا استمر مسلحو داعش في الزحف صوب بغداد, فقد يجد أوباما نفسه مضطرا لاستخدام قوة جوية أمريكية لإنقاذ الموقف.
ونوه بيرنز عن مرور مائة عام على بداية الحرب العالمية الأولى التي أسفرت عن انهيار الامبراطورية العثمانية -بين أشياء كثيرة- وقيام كل من بريطانيا وفرنسا برسم حدود أربع دول جديدة هي العراق والأردن ولبنان وسوريا... وها هي المائة عام الأولى من إنشائها لم تكد تمر حتى باتت هذه الدول الأربع تواجه تهديدات على محاور سيادتها وأمنها ومستقبلها.
واختتم بيرنز بالقول "إن كافة الأمور انقلبت فجأة; إسرائيل تجاهر بدعمها لاستقلال كردستان.. أمريكا وإيران في خندق واحد للدفاع عن بغداد.. الدواعش يواصلون الزحف.. الحدود قد تذوب.. إنه الشرق الأوسط انقلب رأسا على عقب.