أتصورها قادمة لا محالة، أتحدث عن خرزانة المهندس إبراهيم محلب، التى ستنهال باللسْوَعة على عديد من المسلسلات والبرامج والتهديد بوقف بثها نهائيا «إلا إذا»، وهذا يعنى المطالبة بتدخل فورى وعاجل من قبل المسؤولين عن الفضائيات لحذف مشاهد وكلمات فى الأعمال الفنية. المجتمع مهيأ تماما لمثل هذا القرار، والإعلام لعب دوره فى التمهيد لكى تُصبح الضربة الموجعة بناء على طلب الجماهير، لقد توعَّد وهدد رئيسُ الوزراء كل الأعمال الفنية من قبل، مؤكدا أنه سوف يتدخل لو شعر أن بها ما يخدش الذوق العام، وهو الذى يحدد بالطبع هذا المعيار الزئبقى «الذوق العام».
الدولة يحكمها اعتقاد راسخ بأن فرض الانضباط على ربوع الوطن يأتى أولا من الإمساك بقبضة من حديد على ما يبثه الإعلام، القيادة السياسية تؤمن بذلك، بعد أن تابع الجميع دور الفضائيات فى ثورتى 25 و30، ولهذا كثيرا ما صرح رئيس الوزراء بأن التحرش الإجرامى الذى حدث مؤخرا فى ميدان التحرير أحد توابع زلزال هيفاء وهبى و«حلاوة روح»، ليصبح الوجه الآخر للصورة أننا لو صادرنا هيفاء فسوف يختفى التحرش. الرأى العام أقصد الأغلبية، ترى هذا والناس تنتظر تلك اللحظة لتوجيه ضربات أشد إيلاما، وأن تُمسك بخرزانة محلب وفين يوجعك. فى الأربعينيات من القرن الماضى عرفتْ مصر شيخا شهيرا هو محمود أبو العيون، وكان بالفعل يُمسك بخرزانة ويدور بها على الشواطئ بمدينة الإسكندرية فى رمضان وغير رمضان، ويلهب ظهر أى فتاة تنزل البحر بالمايوه، وبالتأكيد كان يلقَى ترحيبا من قطاع وافر من الناس، إلا أن هذا لم يمنع بيرم التونسى أن ينتقده فى واحدة من زجلياته واتهمه بأنه بصّاص، أو كما يقولون بصباص.. رئيس الوزراء فى حواره مع الكاتب والإعلامى وائل الإبراشى، قال إنه لم يُصدر قرارا بمنع عرض مسلسل «أهل إسكندرية»، وإن كان لم ينفِ سعادته بالمصادرة، لأنه لا يجوز أن ينتقد جهاز الشرطة، بينما تسعى الدولة لتحقيق أكبر قدر من التصالح بين الناس والداخلية، علينا أن نُدرك أن الخرزانة تتدثر أولا بالحفاظ على الأخلاق الحميدة، ولكنها بعد ذلك تُشهر تحت هذا الغطاء سلاح المصادرة. رأينا فى مسلسلات عديدة مثل «تفاحة آدم» و«الصياد» و«جمهورية مين» مشاهد رشاوَى فى جهاز الشرطة، صحيح أنها تُقدم الإخوان ضالعين فى معادلة الفساد، وأحيانا مثل «تفاحة آدم» تنتقد أيضا الثوار فى أول هجوم درامى، بعد أن لعبت «الميديا» هذا الدور فى تهيئة الرأى العام لإدانة كل من شارك فى ثورة يناير، باعتباره أجندة أو -فى الحد الأدنى- مغررا به. أتصور أن العقاب الذى وُجِّه إلى «أهل أسكندرية» ليس فقط بسبب انتقاده شرطيا منحرفا، لكنّ هناك عقابا علنيا موجها إلى المؤلف بلال فضل، والبطلين عمرو واكد وبسمة. الدولة تبعث بالفعل برسالة واضحة إلى الفنانين بأن من يخرج عن الخط سيصبح معرّضا للتضرر فى أكل عيشه وحياته الشخصية والمهنية، رسالة واضحة أيضا للقائمين على الإنتاج بأن لا يقتربوا مجددا من كاتب أو نجم تطوله شبهة، والرسالة أتصورها وصلت للفضائيات وشركات الإنتاج، وهو الهدف الأبعد لخرزانة محلب.
لو أخضعت قسطا وافرا من المسلسلات المعروضة للمعيار النقدى، لاكتشفت بما لا يدع مجالا للشك أن بالفعل هناك درجة ملحوظة من الإسهاب و«التلكيك» فى تقديم مشاهد وجمل حوار مليئة بالتجاوز، ولكنه يظل هذا هو دور المجتمع فى إعلان الرفض ومقاطعة العمل الفنى الذى يحمل تجاوزا، وليس رئيس الوزراء، لأن من يشرع ويمهد الآن لتدخل السلطة السياسية فى الأعمال الفنية، سيكتشف أن خرزانة محلب ستطوله بعد قليل، فاللسوعة للجميع!!